بين التنفيذ والتنصّل: توجّهات الأسد تثير تساؤلات حول مستقبل البلاد

 

في لقائه الأخير على محطة سكاي نيوز الإماراتية، يبدو أنّ الأسد أغلق الأبواب كافّة، وعلى وجه الخصوص باب المبادرة العربية المستندة، إلى تنفيذ خارطة الطريق، التي تعتمد مبدأ الخطوة بخطوة. هذه الخارطة التي تحظى الى حدّ ما بدعم من دول عربيّة وإقليميّة ودوليّة، ويعدّها الكثيرون حلاً وحيداً للأزمة السوريّة الراهنة. خاصة أنّ عليه البدء بتنفيذ الخطوات المتّفق عليها في إطار هذه الخارطة، التي من المفترض أنّه وافق عليها بحضوره القمة العربيّة القائمة على بيان عمان، واجتماع وزراء الخارجيّة العرب في القاهرة وصولاً إلى بيان جدّة.  

 

الأسد يغلق الأبواب أمام الحلول السياسيّة: 

من الواضح أنّ الأسد تنصّل من التزامه بهذا الاتفاق، حيث تجلى ذلك في تصريحه، أنّ العلاقات مع الدول العربية ما زالت شكليّة، كما وصفها التلفزيون الرسميّ، بعد اللقاء بالفخّ والمصيدة. أما فيما يخصّ الطموح العربي للحدّ من الدور الإيراني في المنطقة، يبدو أنّه بعيد المنال، إذ أكّد الأسد التزامه بعلاقاته مع إيران وروسيا، فالسنوات السابقة أثبتت برأيه، أنّ سوريا تعرف كيف تختار أصدقاءها بشكل صحيح. كما صعّد الأسد من لهجته ضدّ تركيا، حيث أكّد تورّط تركيا بدعمها الجماعات الإرهابيّة في سوريا، كـ “جبهة النصرة” و”أحرار الشام”. 

أمّا فيما يخصّ قضيّة اللاجئين/ات، فقد اختزلها الأسد بالخدمات الأساسيّة، وتنصّل من مسؤولياته بالبعد الأمنيّ، وبعد حقوق الإنسان، حيث تحدّث عن عدم قدرة سوريا على تسهيل عودتهن/م، ما لم تتوفّر لهن/م الخدمات الأساسيّة مثل المياه والكهرباء، والتعليم والرعاية الصحيّة. فلا عودة مع فقدان أساسيّات الحياة على حدّ قوله. وهذا منطقيّ، لكنّه لم يذكر شيئاً عن خطّة حكومته لتأمينها، سوى تحميل المسؤوليّة للدول الأخرى، كنوع من الابتزاز الواضح لهذه الدول.  

ومن جهة أخرى، فقد تجاهل أوضاع ملايين السوريّات والسوريين في مناطق سيطرته، حين تحدّث عن فقدان أساسيّات الحياة، ما يشير إلى أنّه لا يراهم/ن سوى دروع بشريّة، حين يغضّ الطرف عن أهمية هذه الاحتياجات.

وعندما يتعلّق الأمر بملف الكبتاغون، فالأسد كعادته، يتنصّل من تحمّل مسؤوليته، ويعزو ذلك إلى تفشّي المافيات، التي تنشط بحالات الفوضى، ويصعب السيطرة عليها، ويلقي بالمسؤوليّة على الدول الأخرى، التي تقف وراء هذه الفوضى.

وبالنسبة للوضع الاقتصاديّ المتدهور، يرى الأسد أنه لا حلّ في الأفق، طالما لم تسهم الدول العربيّة في دعم الاقتصاد السوريّ ورفع العقوبات، وبالتالي فعجلة الاقتصاد لن تدور، ولن نشهد نمواً، حيث إنّ مساعدة الأصدقاء إيران وروسيا غير كافية وغير مجدية، والديون أصبحت كبيرة على سوريا وضاغطة على الأصدقاء، خاصة في ظلّ انشغالهم بمشكلاتهم الداخليّة ومعاركهم الوجودية. وهنا يراهن على المزيد من الصبر، في ظلّ استمراريّة تدهور الوضع المعيشيّ على الشعب السوريّ في الداخل.

يبدو أنّ النظام أعلن إفلاسه صراحة، على وقع التقهقر المتسارع لليرة السوريّة، وغياب أيّ خطط حكوميّة لمعالجة الوضع، أو حتى الحدّ من التدهور.

ومن المثير للاهتمام، أنّ الأسد يرى أنّ غياب الاستثمار في البلد، ناتج عن صورة الحرب المنفّرة، متغافلاً عن البيئة الأساسيّة للاستثمار، المتمثّلة في الاستقرار السياسيّ، الذي أغلق دونه الأبواب، بتأكيده أنّه لم، ولن يأخذ أيّ خطوة باتجاه الحلّ السياسيّ، حتى لو كان حلاً داخليّاً. فهو يرفض الحوار مع المعارضة المصنّعة خارجيّاً، ويؤكّد أنّه لا يحاور، ولا يعترف إلا بالمعارضة المصنّعة محليّاً، التي لم تطالبه يوماً بالرحيل. وبالتالي هو أقفل أيضاً نافذة اللجنة الدستوريّة، ولن يتّخذ أيّ خطوة تتعلق بالانتخابات المبكرة، ولن يتخلى عن السلطة، ليس بسبب ميزاته حسب تعبيره، وإنما لمصلحة السوريّات والسوريين، اللواتي والذين لم يطالبوه يوماً بالرحيل، وأنّ من طالبه بذلك في بداية الثورة خلال المظاهرات، لا يتعدّون مئة ألف ونيّف، وهم لا يمثلون إرادة الشعب السوريّ. كما أنّ الحرب غير مرتبطة بشخصه، لذلك يرى أنّ التنازل عن السلطة يُعدّ هروباً، وأنّ وجوده حماية لسوريا من سيطرة الدول الخارجيّة. وبالتالي هو لم يخذل شعبه، وأكّد أنّه سيكرر ما فعله من قتل وتدمير لو عاد الزمان للوراء، لأنّ المعركة معركة وجود بالنسبة لسوريا. 

 

بين الخطاب الرسميّ والخطوات العملية:  

بالرغم من تصريحات الأسد بشأن شكليّة العلاقات السوريّة العربيّة، واعتباره المبادرة العربيّة فخّاً ومصيدة، في وسائل الإعلام المحليّة بعد أن كانت انتصاراً، إلا أنّ المقداد وزير الخارجية السوريّ، شارك في اجتماع في القاهرة في 15 أغسطس، الذي هدف كما ذُكر في البيان الختامي، “لمتابعة تنفيذ بيان عمان الصادر في الأوّل من أيار، وتعزيز الدور العربيّ القياديّ في تسوية الأزمة السوريّة، ومعالجة تبعاتها السياسيّة والأمنيّة والإنسانيّة، وفق منهجيّة خطوة خطوة، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254”، وهذا يؤكّد أنّ المسار العربيّ، يتوافق مع قرار مجلس الأمن المتضمّن تشكيل هيئة حكم انتقاليّ في سوريا، بمشاركة ممثلين عن الحكومة والمعارضة، بغية تسيير شؤون البلاد خلال فترة الانتقال.  

كما أقرّ البيان الختاميّ للمؤتمر إعادة اجتماع اللجنة الدستوريّة، في سلطنة عمان قبل نهاية العام، بتسهيل من الأمم المتحدة. هذا يعكس استعداد النظام للحوار مع المعارضة المصنّعة خارج البلاد. أيضاً تمّ إقرار إنشاء منصّة لتسجيل أسماء اللاجئين/ات الراغبين/ات في العودة، بالتنسيق مع الدول المستضيفة والأمم المتحدة، تحت إشراف دوليّ، والتأكيد على الكشف عن مصير المفقودين والمفقودات في سوريا. كما تعهّد وزير الخارجيّة السوريّ حسب البيان، أنّ بلاده مستمرة في العمل على إطلاق سراح جميع المختطفين/ات السوريين/ات، ما يعكس اعترافًا بوجود معتقلين. وأيضاً سيتمّ تشكيل لجنة للخبراء لمتابعة تنفيذ الاتفاقات، والعمل على الأرض. وستكون أعمال اللجنة على طاولة المشاركين في الاجتماع التالي في العراق. بالتالي فإنّ تصريحات الأسد على قناة سكاي نيوز، لا تتعدّى كونها مجرّد كلام من رئيس مجرّد من ملامح القرار السياديّ. 

 

المستقبل المجهول: 

في النهاية، يبدو أن الأسد في لقائه أغلق كلّ الأبواب، وكان صريحا بأنّ الحرب لن تنتهي والمستقبل أسود. فقد انعدمت فرص تجاوبه مع المبادرات العربيّة والدوليّة، ورفض المضي قدماً في أيّ حلّ سياسيّ لإنهاء الأزمة، وهذا سيؤدي الى احباط عند العديد من السوريين والسوريات في مناطق سيطرته، الذين عقدوا الآمال على عودة سوريا للحضن العربيّ، الانتصار الذي سيفتح باب الاستثمارات واسعاً، ويزيح العقوبات عن كواهلهم. لكن ما حدث كان عكس ذلك، ويمكن القول؛ إنّ خيبة الأمل تلك، كانت وراء الحراكات السلميّة الأخيرة في سوريا، التي تنذر بنفاد صبرهم، وعدم القدرة على مزيد من الصمود، كما توخّاه الأسد. 

 لقد تعمّقت حالة الاستنقاع في سوريا، ودخلت مرحلة جديدة أشدّ من سابقاتها، ونعتقد أنّ الأمور وخاصة الاقتصاديّة، ستتدهور بشكل سريع في الأيام والأسابيع، وربما الأشهر القادمة، ومن الممكن أن ننتقل إلى سيناريوهات أخرى، وربما يكون أحدها عودة، أو رفع وتيرة الصراع المسلح، حيث لا يمكن للأمور أن تبقى على ما هي عليه للأبد.  

 

بوصفنا في الحركة السياسيّة النسويّة السوريّة، نسعى لتحقيق تغيير إيجابيّ وملموس على الأوضاع في سوريا، نحمّل النظام السوريّ بقيادة الأسد مسؤوليّة كلّ ما يجري بسوريا، من الوضع الاقتصاديّ المتردّي، وانتشار العنف والكبتاغون، وعرقلة الوصول لحلّ سياسيّ وسلام مستدام، وأيضاً نحمّله تبعات الحرب كقضية اللاجئين واللاجئات، وتدخّل الدول، وانتشار قوى سيطرة الأمر الواقع. ندعو الدول العربيّة والإقليميّة والدوليّة، إلى مواصلة دعمها لجهود التخفيف من آثار الأزمة الإنسانيّة في سوريا. ونؤكّد على مبدأ عدم الإعادة القسريّة للاجئين واللاجئات، في ظلّ الظروف غير الآمنة في سوريا. ونشدّد على ضرورة تحقيق العدالة ومحاسبة جميع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. 

كما نؤكّد على ضرورة تشديد الضغط الدوليّ على النظام السوريّ، لتبنّي موقفٍ ملموس، يعبّر عن التزامه بحلّ سياسيّ للأزمة. وينبغي أن يستند هذا الحلّ إلى قرارات الأمم المتحدة، ولا سيّما قرار مجلس الأمن 2254، مع التشديد على ضرورة العودة إلى طاولة التفاوض، بمشاركة جميع الأطراف المعنيّة، حيث نحثّ على توسيع قاعدة المشاركة في العمليّة السياسيّة، لتشمل جميع التيّارات السياسيّة والاجتماعيّة في سوريا. يجب أن تكون هذه العمليّة شفّافة وشاملة، وأن يتمّ ضمان تمثيل النساء، ومشاركتهن مشاركة فعّالة في جميع جوانب العمليّة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.

 

اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية