شعوب ديمقراطيّة، أم شعب سوري واحد! العقد الاجتماعيّ للإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة لشمال وشرق سوريا

 

صدّرت الإدارة الذاتية مؤخّراً النسخة المعدّلة للعقد الاجتماعيّ، وقد سبق لها أن أصدرت نسخته الأولى عام 2014، وخضع للتعديل أكثر من مرّة، ليعلن بالصيغة المعدّلة في 13 كانون الأول الحالي 2023.

بعد الاطلاع على بنوده بنظرة نقديّة فاحصة، يمكن تلخيص أبرز الملاحظات بما يلي:

  • جاء هذا العقد الاجتماعيّ بصيغة دستور، لمنطقة الإدارة الذاتيّة في شمال وشرق سوريا، كما نصّت المادة 1 من المبادئ الأساسيّة، وحسبما جاء في الديباجة بأنّه سيكون؛ “الضمان للحرية والسلام والوحدة بين السوريين”.

بدا لنا جليّاً أنّ فريقاً سورياً، صاغ عقداً اجتماعيّاً لعموم سوريا، من وجهة نظر أحاديّة، عقداً اجتماعيّاً ليس مؤقتاً، لكن المادة 133 تقول: “العقد قابل للتعديل في حال تم التوافق على دستور ديمقراطي في سوريا.” لكن لا يمكن التعويل على التعديل واعتباره مؤقّتاً.

ترى الحركة السياسيّة النسويّة السوريّة، أنه أياً يكن هذا الفريق، فليس من حقّه فرض عقد اجتماعيّ بمثابة دستور، دون العودة لآراء جميع المكوّنات السوريّة. كما أننا وإن كنا نتفهم ضرورة قيام سلطات الأمر الواقع في الحالة السوريّة الراهنة، بوضع نواظم ولوائح إداريّة وقانونيّة تشغيليّة، لتسيير أمور الحياة اليوميّة لسكان المنطقة، لحين وصول سوريا إلى الحلّ السياسيّ الشامل، وفق القرار2254 والقرارات الدوليّة، والاتفاقيات ذات الصلة. ولكننا في الوقت نفسه، ندرك خطورة أن تصدر هذه السلطة منفردةً عقداً، تعدّه ضماناً لكلّ السوريين/ات، وتفرضه عليهم وتلزم به الجميع. لربّما كان الوضع أخفّ وطأة، فيما لو اعتُبر مؤقتاً، وذُكر ذلك صراحة في إحدى مواده الـ 134، التي تشكّل مجمل بنود العقد.

  • اعتمد العقد الاجتماعيّ الكونفدراليّة كشكل الحكم في سوريا المستقبل، وهو بهذا فرض رؤيته على السوريين/ات، وعلاوة على ذلك، لم يرَ منطقة الإدارة الذاتيّة كمقاطعة ضمن كونفدراليّة كبيرة اسمها سوريا، بل رأى منطقة شمال وشرق سوريا، هي كونفدرالية كاملة بمركزها ومقاطعاتها، دون أيّ اعتبار لامتدادها السوريّ، ولم يؤكد أن المنطقة المعنيّة هي جزء من سوريا، إلا في المادة 5 من المبادئ.
  • تعاني سوريا من تبعات صراع طويل ومرير، بُعيد انطلاق الثورة السوريّة، ونتيجة الحكم الدكتاتوريّ الطويل، وتعاني من تشرذم وانقسام عموديّ مجتمعيّ، وهي بحاجة الآن الى بناء الهويّة الوطنيّة السوريّة الجامعة، ويأتي استخدام هذا العقد لتعبير “الشعوب الديمقراطية”، بدلاً من الشعب السوريّ الواحد بكلّ تنوّعه وغناه الإثنيّ والدينيّ، ليكرّس الشرخ الموجود ويعمّقه، إذ لا يمكن بناء دولة واحدة بدون شعب، يمتلك هويّة وطنيّة تجمعه.
  • استخدم العقد تعبير نبذ العنصريّة، كما جاء في الديباجة، بدلاً عن الحديث عن المواطنة المتساوية للجميع. كما استخدم تعبير الأبناء والبنات عند التحدث عن المواطنين والمواطنات، وهو بذلك يضعهم/ن بمرتبة أدنى، فالأبناء والبنات يتمّ اقتيادهم/ن من قبل الآباء، في حين لم يوضح العقد من هم هؤلاء الآباء؟!.
  • كرّس العقد مفهوم الشهادة وتقديسها في مادته العاشرة حول القسم، حيث ورد كما يلي: (أقسم بالله العظيم، وأعاهد الشهداء: أن ألتزم بالعقد الاجتماعيّ ومواده، وأن أحافظ على الحقوق الديمقراطيّة للشعوب وقيم الشهداء، وأصون حريّة وسلامة وأمن مناطق الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة لشمال وشرق سوريا، وجمهورية سوريا الديمقراطية، وأن أعمل من أجل حياة نديّة حرّة وتحقيق العدالة الاجتماعيّة، وفق مبدأ الأمة الديمقراطية). من دون أن يشرح من هم الشهداء!. ففي ظلّ الصراع العسكريّ القائم في سوريا، والانقسام المجتمعيّ، من هم الشهداء الذين يجب أن نقدّسهم ونرفعهم فوق حقوق الأحياء؟ إنّ هذا التقديس، سيعرقل سير العدالة الانتقاليّة مستقبلاً، فهل تنطبق صفة الشهداء على من قضوا نحبهم في اقتتال داخليّ! وقد خاضته القوى المسيطرة في منطقة الشمال الشرقيّ مراراً.
  • على الرغم أن المادة 37 تقر بأنّ: “الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا تلتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجميع لوائح حقوق الإنسان ذات الصلة”، إلا أنه لم يذكر قط القرارات الدوليّة الأمميّة الخاصة بالحلّ السوريّ، وبالطريقة نفسها تمّ تجاهل الاتفاقيّات والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بخصوص المرأة سيداو وقرار مجلس الأمن 1325، بالرغم من الحديث عن المساواة وحقوق النساء مناصفة، التي نتفق معها كحركة، لكن غياب الإشارة إلى المرجعيات الدوليّة أمر غير مفهوم.
  • اعتمد العقد بشكل واضح على الأيديولوجية التي طرحها زعيم حزب العمال الكردستاني أوجلان في كتابه: “مانيفستو الحضارة الديمقراطية”. فاستخدم تعابيرها ومصطلحاتها، من قبيل “الأمة الديمقراطية”، و”الشعوب الديمقراطية”، و”الكونفدرالية”، وغيرها من التعابير والمفاهيم، وهو بذلك يفرض تلك الأيديولوجيا على عموم السوريين والسوريات، ويلحقهم بمشروع غير سوريّ، يتبع لحزب يقع خارج الحدود السوريّة.

 

ترى الحركة السياسية النسوية السورية أنّ هذا العقد الاجتماعيّ، يحمل في بنوده خطورة على وحدة سوريا وشعبها، ويشكل عائقاً أمام الحلّ السوريّ السياسيّ المنشود، وفق القرار 2254، والقرارات والاتفاقيّات الدوليّة ذات الصلة، وتحذّر من تحوّل مناطق قوى سيطرة أمر الواقع، التي نتجت بفعل الصراع السوريّ إلى تقسيم لسوريا، يفرض بقوّة أمر الواقع. كما ترى خطورة ما يتردّد عن نقل تجربة الإدارة الذّاتية للمناطق الأخرى في سوريا ومنها السويداء.

جدير بالتنويه، أننا نتفهم إمكانيّة وجود نواظم قانونيّة وإداريّة تشغيليّة، لتسيير الحياة اليوميّة للمواطنين والمواطنات، في تلك المناطق وغيرها، شريطة أن تكون مؤقّتة وألا تأخذ الصفة الدائمة، ريثما نصل إلى سوريا الدولة المنشودة؛ دولة ديمقراطيّة تعدديّة تحتفي بتنوّعها الثقافيّ السوريّ الغنيّ، دولة لا مركزيّة تراعى حقوق الجميع، وفق مبدأ فصل السلطات الثلاث؛ التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، وتعتمد مبدأ المواطنة المتساوية والكاملة للجميع، بغضّ النظر عن الجنس أو الإثنيّة أو الدين أو الطائفة. كما تؤكّد الحركة أنّ للسوريين والسوريات الحقّ، بكتابة عقد اجتماعيّ بإرادة حرّة، دون تدخّل أو فرض أو إكراه من قبل سلطات أمر الواقع، أو جرّهم إلى اعتماد مرجعيّات عقائديّة أيديولوجيّة عابرة للحدود.

 

اللجنة السياسيّة في الحركة السياسيّة النسويّة السوريّة