أصوات نسوية، مقابلة مع عماد عزوز

أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري

مقابلة مع الناشط الحقوقي والسياسي عماد عزوز

حاورته رجا سليم

عماد عزوز سوري مواليد 1962، خريج هندسة مدنية من جامعة تشرين في اللاذقية. غادر سوريا عام 1989 مضطراً بعد سنتين من التخفي، بسبب ملاحقة أجهزة الأمن السورية له، لكونه كان منتمياً إلى حزب معارض، هو حزب العمل الشيوعي. يعيش عماد في السويد منذ ذلك التاريخ.

١- تترأس المركز السوري-السويدي المعني بخلق تقارب بين السوريات/ين والسويديات/ين، إضافة لصفته الحقوقية والاجتماعية، هلّا حدثتنا أكثر عن دور المركز في حياة السوريات والسوريين في السويد؟

تأسس المركز السوري السويدي عام 2013، بعد أن تزايد عدد السوريات والسوريين القادمات\ين إلى السويد، بهدف تقديم المساعدة لهن\م، عن طريق بعض الدورات التي تساعد في تأمين اندماج أفضل. ساهم المركز أيضا بعدد من الفعاليات الثقافية والسياسية المتعلقة بسوريا، وكانت لـمنظمة العفو الدولية (أمنستي) مشاركات مهمة معنا من خلال التعريف بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، ووضع حقوق الإنسان، والانتهاكات التي يمارسها النظام والفصائل المسلحة بهذا الشأن.

٢- عماد عزوز من الناشطين السياسيين الذين تعرضوا لاضطهاد سياسي ضريبة التعبير عن الرأي، حبذا لو شاركتنا بنبذة عن طبيعة نشاطك السياسي السابق والحالي.

رافقني العمل السياسي منذ كنت شاباً في الثانوية العامة، وهذا ما دفعت ضريبته غالياً عبر اضطراري للفرار من الخدمة الإلزامية يسبب تعرضي لمحاولة اعتقال، ولتبدأ مرحلة التخفي القاسية في فترة الثمانينات، حيث استطاع النظام تصفية جميع أحزاب اليسار المعارضة له. في السويد أسسنا منظمة من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا بالتعاون مع أمنستي، وبعد قيام الثورة أسسنا أيضا لجنة دعم الثورة ونسقنا في التحضير للمظاهرات في مدينتنا، كما استطعنا أيضاً بالتعاون مع مركز “أولف بالمة” عقد أول مؤتمر للمعارضة السورية في العاصمة السويدية استوكهولم في تشرين الثاني عام 2011، وبحضور ممثلين عن هيئة التنسيق والمجلس الوطني، حديث التشكيل وقتها، والعديد من المعارضات والمعارضين الآخرين.

٣- من خلال إقامتك في السويد واقترابك من المجتمع السوري هناك، هل لديك اطلاع على النشاط النسوي والنسائي للسوريات في السويد؟ كيف تصفه؟ ما مدى تقاطعه مع النشاطات الأخرى المتعلقة بالسوريات والسوريين هناك؟

ارتبط النشاط النسوي للسوريات بشكل عام، مع النسوية السويدية المتقدمة في هذا المجال، لاسيما وأن الجمعيات والمنظمات السورية لم تقدم ما يذكر في هذا المجال، بل إن معظمها كان يطغى عليها صوت وتوجه فيه بعضاَ من الذكورية، وبهذا فإن النسويات السوريات ذهبن إلى المنظمات السويدية لأنهن وجدن فيها تقاطعاً من تطلعاتهن من جهة، ومن جهة أخرى وجدن هناك فضاءً واسعاً يمكن العمل من خلاله.

أعتقد أن المرأة السورية ما تزال تعاني حتى في بلاد الهجرة، من السلطة البطريركية (الأبوية) السيئة، ومن التقاليد البالية التي عاشتها في بلدنا في ظل الاستبداد السلطوي والديني.

٤ -هل عماد مطلع على الحراك النسوي السوري؟ كيف تصفه؟ وكيف تتفاعل معه؟

أفترض أنني أتابع هذا الحراك باهتمام، فهو يأخذ منحى إيجابياً تصاعدياً لاسيما وأن الثورة فتحت أفقاً جديدة بعد مشاركة النساء المميزة فيها، لكن المشكلة أن الثورة تعرضت لانتكاسات كبيرة أدت إلى تراجع المشروع الديموقراطي والنسوي وغيرها من مشاريع تحديث المجتمع السوري. الانتكاسة الأخرى هي انتشار الثقافة الدينية المتشددة، وتحولها إلى ثقافة منتشرة في العديد من المناطق وعند العديد من الأوساط.

٥- ترفض شريحة كبيرة من الرجال\الذكور وصفهم بنسوي، هل هذا عائد فقط للفهم المغلوط للنسوية؟ ما هي العوامل الأخرى المساهمة بتشكيل هذه النظرة برأيك؟

وصف النسوية ما يزال يتعارض مع المفاهيم السائدة التي ارتبطت بـــ “دونية المرأة” في النصوص الدينية و”قوامة الرجل عليها”، وهذا التعارض يجعل النسوية محصورة في نخب مسيسة ومثقفة. من هنا لا يمكن فصل النسوية عن مشاريع التقدم السياسي والديموقراطي وعن مشاريع الحداثة والنهضة التي مرت بها مجتمعات أخرى ولم نستطع نحن المرور بها. دون ذلك ستبقى النسوية محصورة في الأوساط النخبوية إن صح التعبير.

٦- من هو الرجل النسوي؟ وهل تعرف نفسك بنسوي؟ لماذا؟

الرجل النسوي هو من ينظر إلى المرأة على أنها مواطنة مساوية له في الحقوق، ولهذا يدافع عن حقها هذا بالقدر الذي يناضل ضد الاستبداد والظلم بشكل عام، لهذا يمكن القول إن من واجب أي رجل يدعي النضال سياسياً واجتماعياً أن يكون نسوياً بالضرورة، بهذا المعنى أقول إنني نسوي بشدة وهذا ما دفعني للانضمام إلى شبكة المرأة السورية على سبيل المثال.

٧- كيف تقيم مشاركة المرأة السورية في الحياة السياسية اليوم؟ ولماذا؟

في الثمانينات ساهمت المرأة بشكل كبير قياساً لحجم المعارضة وقتها، وتعرضت للاعتقال والملاحقات. حالياً ومع تصاعد القمع والاستبداد، وجدت المرأة نفسها تخوض غمار السياسة والنضال بشكل أوسع، عملت في الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية، وبعضهن أيضا أسسن لحركات وأحزاب نسوية. أتابع باهتمام التشكيلات النسوية التي تقترب أحياناً من الشكل الحزبي، وأتمنى لها النجاح لكني ما أزال أرى أنها تعاني من مشكلات الهوية السياسية، وهذا لا يخصها هي فقط، وإنما العديد من التشكيلات السياسية بعد الثورة. تشبه هذه الحالة نوعاً ما الانفجار السياسي والفكري التي مرت به أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، والذي أدى إلى نشوء تيارات مثل الوجودية والبنيوية والتفكيكية كرد على الاستبداد السلطوي وسلطة الحزب الواحد والإيديولوجية الواحدة في أوروبا الغربية والشرقية على حد سواء. يومها كانت النسوية أيضاً من بينها وكان لـ “سيمون دي بوفوار” الظهور الأقوى لكنها كنسوية عملت على دمج النسوية في السياسة ككل واسست مع زوجها “جان بول سارتر” المدرسة الفلسفية الوجودية، وبالمناسبة لم يكونا

وقتها حزباً وجودياً، بل أسسا عوضاً عن ذلك ما يسمى بـ ظاهرة الوجودية.

ويبقى السؤال هو أيهما أفضل أن تكون النسوية عامودية التأثير من خلال حزب أو حركة تقتصر على نخبة معينة، أم تتحول إلى صفة من صفات الحداثة كالديمقراطية مثلاً أو الحرية، تدخل في الأحزاب وتصبح شرطاً وهوية لها بمعنى تأخذ شكلاً أفقياً في السياسة والمجتمع والاقتصاد وكل مناحي الحياة.

٨- بصورة أعمّ وبالنظر إلى المشهد السياسي السوري الحالي (من جانب المعارضة)، كيف تصفه؟ وماذا يشوبه؟ ولماذا؟

فشلت المعارضة بشكل ذريع وربما لأسباب تعلمها الغالبية، كالتسليح والتدخلات الخارجية والنظام القمعي، إلخ. لكن هناك جانب مهم متعلق بالظرف الموضوعي ككل، حيث وفي مجتمعات متخلفة تحكمها أنظمة مستبدة وتنتشر فيها قيم ما قبل حداثية مثل القبلية والطائفية ويعاني سكانها من الأمية والفقر والجهل والعصبية، لا يمكن ظهور ثورة مجزأة ونجاحها دون أن تشمل كل هذه الميادين. المعارضة وبسبب انتهازيتها، ركزت على نوع من الاستبداد لكنها خلقت استبداداً آخر توجد بذوره في المجتمع ككل، بهذا المعنى نجد أنفسنا بحاجة إلى زرع بذور جديدة وهذا يحتاج إلى عملية صعبة وشائكة وطويلة الأمد للقيام بثورة على كل الأصعدة، دون ذلك سنبقى ندور في دوائر مغلقة تشبه بعضها وتتقاطع مع بعضها.

*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة