السويداء بين المصالح السياسية والمواقف الوطنية

*مالينا (اسم مستعار)

هل للسويداء خصوصية؟

وإن كان هذا صحيحاً فما الّذي يميزها؟

هل هي المدللة لدى النظام؟

لماذا شبابها عصيّون على الخدمة الإلزامية؟

أم أن النظام يستثمر بهذه النقطة ويثير
التساؤلات لدى الغير؟

ما حقيقة ما جرى خلال المظاهرات الأخيرة؟

كل ما سبق من تساؤلات محق، وسأجيب عنه في هذا المقال.

السويداء ليست حالة خاصة، هي محافظة سوريّة تسكنها الغالبية الدرزية، إضافة لمن يسكنها من مختلف الأديان والمذاهب والطوائف ضمن عيشٍ مشترك.

بعد تأسيس حركة رجال الكرامة عام 2012 التي كان من أحد أهدافها تحريم الاعتداء على سكان المحافظة بكافة مكوناتها، والتي دعت لعدم الالتحاق بالخدمة الإلزامية باستثناء الشباب الراغب وعلى مسؤوليته، همِّش القانون بشكلٍ مُمَنهج وغُيِّب الأمان وحضرَ الأمن بأجهزته، ممثلاً بعصابات الخطف والقتل والسرقة، المُرتَهنة لأجهزة الأمن. في الوقت الذي لم تهدأ فيه المعارضة منذ 2011 حيث قامت بتنظيم التظاهرات ومختلف أشكال الاحتجاجات الأخرى كما حدث في باقي المحافظات ضد النظام الدكتاتوري، واستمرت الاحتجاجات إلى أن حوَّل النظام والتدخل الخارجي المظاهرات السلميَّة للتسلح، فرفضت معارضة السويداء ذلك ولم تقبل بالسلاح من أية جهة.

في بداية 2020 استؤنفت المظاهرات في السويداء وريفها تحت شعار (بدنا نعيش) وهتفت بالعيش بكرامة ومحاربة الفساد، وانتقلت التظاهرات إلى بعض المحافظات السوريَّة، التي لطالما ادعى النظام -حامي الأقليات- بأنه يحميها.

لم يتدخل النظام بشكل مباشر لفضّ المظاهرات، لكنه اتجه إلى تهديد المشاركات/ين من الطالبات والطلاب والموظفين/ات وقام بفصلهن/م من كلياتهن/م ووظائفهن/م، وهدد الآخرين بواسطة شبيحته الأمنيين عبر الهاتف، وصُعِّدَ الموقف بين المتظاهرات/ين والنظام، الذي وعد بتسوية الأوضاع المعيشيَّة والخدميَّة عبر وساطة مشايخ العقل، لكنه لم يلتزم بوعوده.

فعاد المتظاهرون إلى الشارع مع رفع سقف مطالبهم برحيل النظام واتباعه إيران وروسيا وحزب الله، “إلي ما حملوا عقلوا”, فأرسل مسيرة مؤيدة للنظام قوامها مدراء ورؤساء أقسام مؤسسات الدولة والجامعات مستخدماً معهم التهديد والوعيد. وقد أكّد ذلك الصوت المسجل لرئيسة الاتحاد الوطني لطلبة سوريا “وفاء العفلق” بتاريخ 10 حزيران ضد المتظاهرين حيث وصفتهم بالمخربين. في الوقت نفسه قال أحد وجهاء السويداء الذي يمثل مرجعية للمجتمع المحلي: “الشباب والشابات اليوم يرفعون صوت الحق من أجل وطن حر يكفل العيش الكريم لكل بناته وأبنائه”.

ردّت هذه الرسالة على ما نشره وسوَّقَ له النظام وسوَّقت له عصاباته وميلشياته بوصفهم أنَّ الشابات والشباب المتظاهرات/ين عصابات وقطاع طرق ومخربات/ين يجب تأديبهن/م. وفي المقابل دعا الوجيه الموالي للنظام حسن
عبدلله الأطرش ((وهو ابن عضو مجلس الشعب السابق عبد لله الأطرش)) لمسيرة أخرى تأييديه لمواجهة المتظاهرات/ين في ساحة الكرامة، حيث خرجت مسيرته التي تخفّى أفرادها داخل مبنى البلدية؛ واضعين شرائط حمراء على أيديهم ليميّزوا بعضهم أثناء الضرب وتوجهت بكل “البلطجيَّة”، وبما يملكوه من همجيَّة لضرب المتظاهرات/ين رغم هتافهم سلميَّة سلميَّة…

لكنهم استمروا بضربهم وملاحقتهم هم وقوات حفظ النظام التي لم توفر وسيلة لقمع المتظاهرين حتَّى أنَّ (ر) من المتظاهرين تعرف على أحد عناصر حفظ النظام وهو عنصر في الأمن العسكري. سأله المتظاهر(ر): “شو عم تعمل هون؟!”، فأجابه: “ما بعرف إجانا أوامر نلبس لباس حفظ النظام وننزل لهون على الساحة”.

وشهدت إحدى المتظاهرات (ك ل) بأنَّهم تمكّنوا من النجاة من الاعتداء خلال المظاهرة بمساعدة أصحاب المحلات التجاريَّة، حيث وفروا لهن/م انسحاباً آمناً، وكذلك استطاعت موظفة حمايتهم بوضعهم بين المراجعين في إحدى المؤسسات الخدميَّة القريبة من ساحة الكرامة، وهذا ما يدل على شعبيَّة الحراك، لكن هذه الشعبية لم تمنع تسلل العناصر الأمنية التي اقتادت بالاسم الشاب (خ د) وكررّت المشهد عينهُ في الشارع من ضرب الشباب وشتمهم وسحلهم على الأرض، حيث وضعوهم في سيارات الأمن واقتادوهم إلى السجن المدني في السويداء بتاريخ 15/6/2020 على أن تتم محاكمتهم في السويداء، لكن ذلك تغيّر بأمرٍ من اللواء كفاح الملحم رئيس اللجنة الأمنية في السويداء الذي أوعز بتحويلهم إلى دمشق.

عما دار في الأفرع الأمنية في دمشق قال أحد المعتقلين (ز ف): بأنه تم عصب أعينهم وتقييدهم بسلاسل أثناء تواجدهم في الأفرع الأمنية، حتى أنهم أجبروهم أن يبصموا على أوراق لا يعرفون عن مضمونها شيئاً وهم مقيدون بسلاسل ومعصوبو العيون، بينما قال المعتقل (خ د) بأنهم جعلوه يقرأ قرار إعدامه بنفسه.

نعود لنفس اليوم الذي تم فيه ترحيل المعتقلين إلى دمشق، حيث توجه بعض أهالي المعتقلين إلى الشيخ يحيى الحجار قائد حركة رجال الكرامة يطالبون بعدم ترحيل أبنائهم إلى دمشق، فجاوبهم: “ما تخافوا لو بالهند بدنا نجيبهن”، وبعدها أصدر بياناً لم يرضِ المعارضة، ووصفت مضمونه بالأمني رغم وعوده بعدم التخلي عن أي من المعتقلين، وبعدعدة أيام تم فعلاً الإفراج عن ثلاثة منهم.

بدأت المفاوضات للإفراج عن البقية بسرية وتكتم عن الجناح الإعلامي للحركة، ودارت المفاوضات بين الحركة والروس من جهة، وبين النظام والمخابرات السياسية ذراع إيران في المنطقة، من جهة أخرى وكفاح الملحم رئيس اللجنة الأمنية في المحافظة، فهو يشكل عقدة استخباراتية.

 سهّل توقّف المظاهرات في السويداء على الحجار عملية المفاوضات ومنحته كرت قوة، لو أراد استمرارها لقدم لها الحماية، لكن من الواضح بأنه لا أحد يريد للمظاهرات أن تستمر.

بالعودة لحركة رجال الكرامة كـ لوبي يحقق التوازن في المحافظة، لا يمكن توصيفها بأنها الفصيل المسلح الأكثر عدداً وتنظيماً فقط، بل تعمل تحت إمرتها عدة فصائل تسمى “البيارق” تحتوي على عناصر ذات خلفيات متنوعة، منهم من كان يخرج مع المتظاهرين المدنيين ومنهم من خلفية أمنية، بدأت الخلافات داخل الحركة بعد الإفراج عن ثلاثة من المعتقلين واحتفاظ الأمن بمن بقي.

بدأ قادة البيارق المؤيدون للحراك بالضغط على الحجار والتصعيد بهدف تزامن ذلك مع ضغط المنظمات الدولية أيضاً للإفراج عن المعتقلين، بالمقابل لجأ القادة غير المؤيدين للحراك لتشويه وضرب سمعة المعتقلين عند الحجار.

على ما يبدو تمكنت بعض البيارق من الضغط على الحجار بتاريخ 4 حزيران، كي يقوم بالتصعيد وإعطاء الأمن مهلة حتى 6 حزيران لإخراج كافة المعتقلين.

في السادس من حزيران انتهت المهلة ودق ناقوس الخطر، انتشرت بعض البيارق في مدينة السويداء وسيطرت على مفاصلها ومداخلها دون أي تفسير، على ما يبدو بالتنسيق مع كفاح الملحم الذي أراد الضغط على فرع المخابرات السياسية، ونشر موقع السويداء 24 وهو جهة إعلامية: بأنه في الساعة التاسعة مساءً تم الإفراج عن المعتقل كريم الخطيب الذي بقي أصلا في السجن المدني في السويداء ولم يرحّل إلى دمشق، أفرج عنه الساعة الرابعة بعد الظهر وليس التاسعة مساءً، الموقع الإعلامي حاول أن يعلل سبب هذا الانتشار. انسحبت البيارق من المدينة بعد حصولها على وعد بالإفراج عن المعتقلين، حيث بدأت المفاوضات من جديد (ومن المحتمل أن تكون المفاوضات أشبه بلعبة من قبل اللواء كفاح الملحم) على أن يتم الإفراج عن الجميع ماعدا ،(س ح)(ف و)(ر ب)(خ د)، صعّد أحد البيارق الموقف ورفض العودة للحوار عند سماعه بأن قوة عسكرية قادمة من دمشق لفرض الاستقرار في السويداء، سرعان ما قامت عناصر البيرق بقطع أوتوستراد دمشق السويداء وضربت طوقاً عسكرياً على أبواب المدينة واحتجزت كبار الضباط بالأفرع الأمنية في السويداء.

بسرعة البرق جاءت الموافقة على الإفراج عن كل المعتقلين ما عدا (خ د) الذي قرأ قرار إعدامه بنفسه، أخبر الحجار قادة “البيارق” رسالة اللواء كفاح الملحم، لكن أحد شيوخ البيارق اتصل بالحجار وقال له: اتصل بكفاح الملحم وقل له بأننا نريد الكل وليتصل برئيس فرع أمنه بالسويداء لكي ينسق عملية الإفراج عن كافة المعتقلين، بالفعل اتصل اللواء كفاح الملحم برئيس الفرع بالسويداء على هاتفه الخاص ورد عليه الشيخ وأخبره بأن ضابطه وأفراد أسرته بأمان وهم تحت الإقامة الجبرية ريثما يصل كافة المعتقلين إلى مضافة الشيخ يحيى الحجار، ثم أعطى الهاتف للعميد ليطمئن معلمه.

قد يكون الشيخ الحجار على علم بخطة قائد البيرق وقد لا يعلم، ويبدو أن الحجار لم تفاجئه الخطة ولم يبدي استغراباً.

في 9/7/2020 وصل كافة المعتقلون إلى مضافة يحيى الحجار تحت حراسة أمنية مشددة من قبل رجال الكرامة، وبعد أن استمع اليهم، قال الحجار أمامهم: “نحن لا مؤيدون ولا معارضون سياسيون، نحن حماة الأرض والعرض والدين ولا نسمح لأحد بالمزاودة على وطنتينا، لا روسيا ولا إيران ولا غيرهم نحن عرب سوريون”.

استبسل الروس لإنجاح المفاوضات لإعادة هوية النظام على أنه حامي الأقليات، ولم يغب الإيرانيون عن المشهد من خلال تسريب معلومات ضد الروس حول تجنيد الروس مرتزقة من شباب المحافظة للقتال إلى جانب جيش حفتر في ليبيا، علماً أن التجنيد يتم منذ شهر أذار، وبأن الروس عينوا بالسويداء أحد وجهاء البدو في السويداء جامل البلعاس مفوضاً لهم مما أثار حفيظة الأهالي.

غيب الإيرانيون ذراعهم الاجتماعي العسكري “مهران عبيد” عن الأحداث لأن تدخله لم يجد حاضنة اجتماعية مما سيستعدي تدخل جهات لا ترضي إيران التي هي بدورها لا يمكن أن تجد حاضنة مجتمعية لضلوعها وحزب الله بمجازر “داعش” في الريف الشرقي في السويداء. 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة