العنف والإقصاء، ظاهرة مشتركة بين النساء

 

*كندة الناصر

 

إن الاتهامات والتشويه المجتمعي المسبق الذي تتعرض له النساء والرجال على حد سواء، حينما يتم الدفاع عن النساء وحقوقهن؛ لابد له أن ينتهي، وأن يُنظر إلى ما تتعرض له النسوة من عنف وحرمان بنظرة إنسانية تترفع عن الأمراض الاجتماعية الموروثة والصور النمطية، وأن تكون ضمائرنا في صحوة للدفاع عن ذواتنا وإنسانيتنا حول العالم. وتأكيدًا على شعار حملة الـ 16 يوماً للقضاء على العنف ضد المرأة هذا العام، التي تحمل شعار “اتحدوا! لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات”، فلا بد من الدفاع عن النساء والفتيات حول العالم، وتسليط الضوء على الظلم الواقع بحقهن في مختلف نواحي الحياة. ولا شك أن الحروب والأزمات الاقتصادية وعصر التعافي من كوفيد19 لم تكن سهلة على المجتمعات المدنية، وبالأخص النساء في كل من أفغانستان وإيران والمنطقة العربية وصولاً إلى أوكرانيا. 

 فنجد النساء في أفغانستان يعانين من التعنيف والحرمان من حقوقهن من قبل سياسات طالبان، وما تزعم به من تطبيق القواعد الدينية والأخلاقية ما هو إلا انتهاك صارخ للإنسانية، تحت ظل هذه السلطة الظالمة التي تحرم النساء من حقها في التعلم والعمل، حيث أبعدت الفتيات مؤخراً عن التعليم الثانوي، ومنعت النساء من العمل إلا في مهن محددة، كما منعن من الخروج إلى الأماكن العامة. كما تشجع حكومة طالبان أفراد الأسرة الذكور على إجبار النساء والفتيات للبقاء في منازلهن، وحرمانهن من حقوقهن، الأمر الذي يجعل العنف ضدهن أمراً طبيعياً. وما يزيد العقبات التي تواجهها النساء الأفغانيات بأن التقاليد الذكورية والفقر وانعدام التعليم ليس بجديد، فالنساء حرمن من حقوقهن منذ عقود، والآن وبحسب الأمم المتحدة فإن 87 بالمئة من الأفغانيات يتعرضن لأنواع مختلفة من العنف الجسدي والجنسي والنفسي في ظل حكومة طالبان.

ومن حلكة الواقع في أفغانستان، تضيء النساء الإيرانيات نوراً أمام النساء كافة في ثورتهن ضد سياسات الحكم الاستبدادي ونضالهن في الحصول على حرياتهن وحقهن في تقرير المصير. لم تكن انتفاضة اليوم إلا بعد عقود من المقاومة النسائية، وما بدا احتجاجاً ضد قانون الحجاب الإلزامي ماهي إلا احتجاجات حول النوع الاجتماعي والعرقي واحتجاجات ضد الراديكالية لنظام الملالي. إن النساء الإيرانيات يرسمن حدثاً تاريخياً بمشاركة مختلف الخلفيات العرقية والإقليمية ضد الظلم الذي طال الحقوق المدنية كافة، ووضع قوانين وشرطة تحدد خطى النساء وتطبق عليهن العنف الجسدي واللفظي لأكثر من أربعين عاماً. وعلى الرغم من الإيذاء والضرب والقتل والاعتقال إلا أن الاحتجاجات لم تظهر أي بوادر للتوقف، مطالبةً بالعدالة والحرية والمساواة في التعبير وتقرير المصير والمشاركة الثقافية والسياسية والمجتمعية. 

في حين تدخل نساء أوكرانيا هذا العام إلى ركب المناضلات في سبيل وطنهن وأمانهن. فالنساء هناك مقاتلات يقفن إلى جانب الرجال في ساحات الحرب، ومداويات وراعيات في المشافي الميدانية، وأمهات حائرات في البحث عن ملجأ آمن لأطفالهن.

وبالرغم من اختلاف اللغة واللون والعرق إلا أن ويلات الحرب نفسها تتقاسمها النساء من اليمن إلى سوريا بمعاناة فقد الأحبة والأملاك والسلام، والتعثر في رحلة مضنية بالبحث عن ملجأ آمن دون تصور باستقرار هادئ يلوح في الأفق.   

إن نساء المنطقة العربية يتشاركن التهميش الذي تعانيه النساء في أفغانستان، والتعسف في تقرير المصير في إيران، وما تدعمه السياسات الجائرة في حقهن من ظلم وتعنيف مغلف بحجج العرف والتقاليد المجتمعية، وما زادها معاناة ويلات الحرب والنزوح واللجوء، وافتقار حقوق الإنسان عامة، فما بالك بحقوق النساء!.

تختلف المجتمعات ومكوناتها بين دول الشرق الأوسط، إلا أنها تتفق على منظومة من العنف الممارس بحق المرأة بأشكال متعددة، وما زادها سوءاً عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي وغياب التشريعات الرادعة والتسفيه من ظاهرة الجرائم التي تطال الفتيات والنساء في الأماكن العامة وحتى الآمنات في منازلهنَّ.

لقد  كان عام 2022 مليئاً بأنواع مختلفة من العنف خاصة جرائم “اللا شرف” وجرائم الكراهية والغضب، وإن اختلفت تسميات الجريمة بدافع الحب، الغضب، العرض وغيرها من المدلولات الاجتماعية التي تستبيح جرائم النساء، فهي الأعلى والأخطر في منطقتنا.

ما زال طريق نضال النساء طويلاً، على الرغم من جهود منظمات المجتمع المدني وعدداً من الحكومات والدول في دعم قضية المرأة ومشاركتها المجتمعية والسياسية، باعتبارها قوة إيجابية للاستثمار في نهوض ورقي المجتمعات، وليس مخزونًا للتضحية. 

للأسف؛ ما زالت بلدي سوريا بعيدة عن الواقع المأمول، حيث تعاني النساء من كافة أنواع القمع التي ذكرت جميعها، فالمرأة مهمشة الرأي والقرار، تعاني من هيمنة سلطات الأمر الواقع في الزي والتعامل والزواج المبكر، كما تعاني من قانون جائر يستبيح ميراثها، وحتى قتلها دون قانون منصف، ودون النظر في معاقبة حقيقية لمُعنّفها ومغتصبها. وما زالت المرأة في بلدي تحارب الأمراض المجتمعية، وتراوغ المزاج السائد في المكونات المجتمعية المختلفة للحصول على حقها في تقرير المصير والمشاركة في بناء قانون يحميها ويضمن حقوقها، دون التقليل من شأن أي حق مهما كان بسيطاً في نظر المجتمع. 

 

كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية