النساء السوريات… صانعات الخير

 *سوزان خواتمي

أول احتفال يخص تكريم المرأة أقيم في باريس، قبل ما يقارب 75 عاماً من اليوم. حدث ذلك إثر انعقاد مؤتمر الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، إلا أن تخصيص الثامن من آذار جاء لاحقاً بعد سلسلة من الجهود الدؤوبة والوقفات الاحتجاجية والمطالبات المحقة تعود إلى ما قبل ذلك التاريخ بكثير لتتحول المرأة من كائن غير مرئي إلى مواطنة تنال بنجاحها وإصرارها احترام مجتمعها والمساواة والعدالة في حقوقها السياسية والدستورية. الجدير بالذكر أن منظمة الأمم المتحدة لم تتبن تلك المناسبة بشكل رسمي سوى سنة 1977 لتتحول إلى يوم عالمي يرصد إنجازات المرأة ويتذكر نضالها، وقد اعتمدت بعض الدول هذا التاريخ كعطلة رسمية.

ماذا لو استسلمت الحركات التي أسست لحقوق المرأة منذ بدايتها أي في القرن السابع عشر، فالطريق شاقٌ وصعبٌ، والتأثير في المجتمع لتغيير المفاهيم والأوضاع القامعة للمرأة بطيء ومحبط.

لن نتخيل ذلك إلا من باب خلاصة القول: الآمال وحدها لا تكفي، والأهداف المحقّة ستتحقق ولو بعد حين.

دعونا اليوم نحتفل

الأعياد هي مناسبة جيدة للاحتفال، على الرغم من المآسي التي تحيط بالمرأة السورية ضمن ظروفها الحالية، سواء في المدن التي تتعرض للقصف أو في بلاد اللجوء أو داخل المخيمات، إلا أن حضورها الفاعل والمؤثر لم يغب، فالكثير من الشخصيات النسائية تحدّين المعوقات والصعوبات، واستطعن لفت أنظار العالم إليهن، ولعل هذا اليوم مناسبة للإشارة إلى بعض تلك الأسماء.

نبدأ بفيلم “من أجل سما” الذي حصد منذ فترة قريبة جائزة أفضل فيلم وثائقي في احتفالية الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون “بافتا”، ورشح لجائزة الأوسكار، كما فاز بجائزة العين الذهبية في مهرجان كان. مخرجته وعد الخطيب عاشت أوقاتاً صعبة حين كانت المشافي الميدانية في حلب تقصف بعنف. لم يكن الخوف خيارها الوحيد، فبكاميرتها التقطت صوراً من الواقع لجرائم النظام ضد الإنسانية خرجت بها إلى العالم لتثبت أن المرأة منذ الأزل قادرة على صنع الحياة بما بين يديها من مواد أولية مهما كانت متواضعة.

أما ياسمين مرعي وهي مديرة تحرير مجلة ” سيدة سوريا” فقد ترأست قبل شهور قليلة حزب “أحرار” المعارض، لتكون بذلك أول امرأة سورية تؤسس حزباً سياسياً جديداً يضم أكثر من 30% من النساء، ويسعى في أحد أدواره إلى تعزيز دور المرأة كشريك وند في الثورة.

وعلى صعيد جماعي، يأتي كورال “حنين” الذي بدأ في مدينة غازي عنتاب التركية، وأسسته مجموعة من السيدات إحداهن رجاء بنوت، كتحدٍ للزمن الصعب. كانت الغاية منه مساعدة النساء على تخطّي حالة اليأس والإحباط وتخفيف آلام التهجير والتشرّد التي يعشنها. اليوم يطوف كورال حنين في بلاد اللجوء ليُسمع العالم تراث بلد يعيش الحرب.

على صعيد مختلف تمنح وزارة لخارجية الأميركية كل عام جائزة المرأة الشجاعة لعدد من النساء المتميزات في مجال حقوق المرأة ومناصرة قضايا بلادهن، هذا العام حظيت آمنة خولاني بالجائزة، وهي إحدى الناجيات من سجون الأسد، تكرس حياتها لقضية المختفين قسراً، ومساعدة عائلاتهم. سبقتها إلى نفس الجائزة رزان زيتونة، ومجد شربجي التي تعمل على تمكين النساء وتعليم الأطفال في لبنان، وتم تكريمها من قبل منظمة أوكسفام العالمية.

قبل سنوات في العام 2015 منحت منظمة صحافيون بلا حدود ووكالة الصحافة الفرنسية جائزة بيتر ماكلر للصحافة الشجاعة للصحافية “زينة أرحيم” التي قامت بتدريب نحو 100 مواطن صحفي داخل سوريا، ثلثهم من النساء للإلمام بالصحافة المكتوبة والمرئية. كما ساعدت على تأسيس صحف ومجلات مستقلة في الشمال السوري.

الناشطة مزون المليحان تسلمت جائزة السلام الدولية “دريسدن”، لإسهاماتها في مجال تعليم الأطفال في مناطق الأزمات، وتعتبر المليحان سفيرة خاصة لمنظمة اليونيسف. شاركت في أنشطة تعليم الأطفال في مخيم للاجئين في الأردن منذ أن كانت في الرابعة عشر من عمرها.

كما حصلت الطفلة السورية نور ابراهيم 12 عاماً والتي تعيش في أحد مخيمات اللجوء على المركز الأول في مسابقة عالمية أقيمت في ماليزيا، بعد تفوقها على 3000 طفلة/طفل إذ تمكنت من حلّ 235 مسألة خلال 8 دقائق، لتحقق فوزاً على بقية المنافسات/ين من أطفال العالم.

مُنحت جائزة مصطفى الحسيني للمقال العام الماضي للصحافية فلك فرج الحسين عن مقالها “سجن داعش في الطبقة: شهادة شخصية” إذ عملت فلك مراسلة لعدد من مواقع الإعلام البديل في مدينة دير الزور عندما كان تنظيم داعش يسيطر عليها، وشاركت في تأسيس جريدة “صدى الثورة”. أهدت جائزتها لمن شاركها الزنزانة في سجن تنظيم الدولة “داعش”، وللنساء السوريات في المعتقلات ولسكان المنطقة الشرقية في سوريا.

في العام 2018 قدمت منظمة Nurses With Global Impact  (NWGI) ، جائزة أفضل ممرضة في العالم لـ “مليكة حربلي“. خلال عملها النبيل تعرضت مليكة، المعتقلة السابقة لدى النظام السوري، لإصابات وجروح نتيجة القصف على المشافي التي تعمل بها، وكانت تهمتها الإرهاب ومعالجة الإرهابيين.   

في المجال العمل الطبي الإنساني حصلت طبيبة الأطفال أماني بلور هذا العام على جائزة مجلس أوروبا “راؤول والنبرغ” لشجاعتها في إنقاذ الأرواح في مشفى “الكهف” والذي كان يخدم 400 ألف مدني خلال حصار الغوطة الشرقية 2012-2018. تم تصوير الحياة اليومية للطبيبة أماني مع زميلاتها أثناء عملهن، ورشح فيلم “الكهف” من إخراج فراس فياض لجائزة الأوسكار.

من المستحيل رصد جميع الأسماء منذ بداية الثورة وحتى الآن، وإن كان توثيق ذلك حاجة ملّحة على مراكز المعلومات العمل عليها، فالسوريات أكدن تميزهن على عدة أصعدة، وقدمن نموذجاً غير نمطي لقدرات المرأة العربية عموماً والسورية على وجه الخصوص.

بعيداً عن اعتراف العالم والجوائز… لعلنا لا ننسى الهاربات من القصف الهمجي على قرى وبلدات إدلب يسحبن أولادهن إلى المجهول. ينمن في العراء أو يحتمين بشجرة تحت مرأى ونظر العالم.

آلاف الآلاف من النساء يستحقن في يوم المرأة العالمي التحية والاحترام، فهن يتعرضن لشتى أنواع الانتهاكات تحت القصف وفي المخيمات، ويقاومن قهر اللجوء والنزوح، ويمارسن الأعمال الشاقة لإعالة أسرهن، ويتحايلن على الأوضاع المعيشية الصعبة، يدفعن ثمن اختياراتهن الحرة، ويحاولن بالقليل مما يملكن إدارة دفة الحياة.

 كل عام وأنتن
صانعات الخير… أصل البقاء