صوت النساء السوريات “رؤية واقعية”، عن الورقة السياساتية: التعافي المبكر من منظور النساء السوريات

 

*هناء الخضر

 

المشاركة الفعّالة للنساء في مجالات الحياة المختلفة تعتبر من الأمور الحيوية والهامة التي من شأنها تحقيق تأثير إيجابي في عملية التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، إلا أن صوت النساء ما زال مهمشاً بشكل كبير نتيجة العديد من التحديات التي تقف عائقاً أمامهن في سبيل تحقيق هذه المشاركة حتى في جوانب الحياة التي تمسهن بشكل مباشر، وهذا يرجع للنظرة المجتمعية التقليدية التي التصقت بهن منذ عقود من الزمن وحجمت أدوارهن في الحياة العامة، لا سيما خلال سنوات الصراع التي شهدتها سوريا خلال الأعوام الماضية.

برز مفهوم التعافي المبكر كنهج بديل للتعامل مع الأزمات بوصفه حلاً يهدف إلى تمكين المجتمعات المحلية وبناء قدراتها من خلال استغلال الفرص الإنمائية التي تساهم في تأسيس عملية تعافي مستدامة، لكن هذا النهج لن يحقق أي تغيير في علمية التنمية دون الاستماع إلى أصوات النساء والوقوف على معاناتهن خلال سنين الحرب، وما نتج عنها من تكريس للممارسات النمطية والتهميش والعنف والحرمان من حقوقهن الأساسية، وقد عمدت الحركة السياسية النسوية السورية إلى إيصال صوت النساء السوريات من خلال إعداد ورقة سياساتية بعنوان: “التعافي المبكر من منظور النساء السوريات”  تهدف إلى تقديم رؤيتهن حول مفهوم التعافي المبكر بوصفهن الفئة التي تحملت أوزار الصراعات الدائرة من نزوح وتهجير وغياب للأمن والأمان. من جهة أخرى تناولت الورقة التحديات والمشكلات التي تعترض نهج التعافي المبكر لا سيما بأنه يخدم النظام السوري ويوفر له آلية تخدم مصالحه وتجعله متحكماً على المستوى السياسي والاقتصادي بهذا المسار، خاصة بأن النظام سبب أساسي في استمرار النزاع وغياب الاستقرار الفعلي سواءً في مناطق سيطرته أو المناطق الواقعة خارج سيطرته.

تبنت الورقة وجهة نظر 120 امرأة سورية من مرجعيات ثقافية ودينية وطائفية متنوعة وأوضاع اجتماعية مختلفة، من خلال تنفيذ جلسات نقاش مركزة للوقوف على رؤيتهن حول جدوى خطط التعافي المبكر وارتباط المشاريع المنفذة باحتياجاتهن وحقوقهن الأساسية في ظل سيطرة قوى الأمر الواقع، التي كانت وما زالت جزءاً من تردي الأوضاع الإنسانية والاقتصادية.

أوضحت الورقة رؤية النساء السوريات حول مفهوم التعافي المبكر بوصفه عمليةٌ شاملة لإعادة بناء المجتمع، وأن هذه العملية لا يمكن أن تنتج تعافياً حقيقياً دون معالجة الأسباب الجذرية للصراع من استمرار لسلطة النظام السوري وغياب الأمن والاستقرار وانتشار الفساد وغيرها من الأسباب التي تعزز من تدهور الأوضاع في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. كما أن غياب الحل السياسي يجعل من إمكانية الوصول إلى مستقبل أفضل أمر شبه مستحيل، لا سيما أن جميع الحلول التي جرى تنفيذها في السابق لم تساهم إلا بتخفيف وطأة المعاناة وأن الوضع الراهن أكبر من قدرة الأفراد والمؤسسات والمنظمات على إحداث أي تغيير يمكن البناء عليه لتحقيق استدامة فعلية.

إن عملية التعافي لا يمكن أن تتم دون العمل على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مختلف مناطق السيطرة لضمان حصول النساء على حقوقهن في العمل والتعليم والصحة والنظر إليهن كقوة أساسية للوصول إلى التعافي المبكر، لا سيما في ظل المعاناة الاقتصادية التي تعيشها النساء إلى جانب انخفاض القوة الشرائية وغلاء المعيشة وانعدام الأمن الغذائي وصعوبة حصولهن على فرص عمل كريمة تساعدهن على مواجهة الأوضاع المعيشية الصعبة. وفي هذا السياق تشير النساء السوريات إلى محدودية مشاريع التعافي المبكر وغياب العدالة وسوء التخطيط، إلى جانب تنفيذ بعض  هذه المشاريع دون مراعاة الاحتياجات الفعلية للنساء. وعلى الرغم من وجود مشاريع مفيدة لبعض النساء إلا أنها لم تخرج من إطار الأعمال النمطية التي لا تساعد النساء على اكتساب خبرات مهنية حقيقة ولا تحفزهن على المشاركة الفاعلة في عملية التعافي.

تقدم الورقة العديد من التوصيات الهامة المتعلقة بآلية تصميم وتنفيذ برامج التعافي المبكر بما يتوافق مع السياقات المحلية لمختلف المناطق السورية لتدعيم قدرة المجتمعات على الصمود وتحقيق أكبر استفادة من المشاريع من خلال إشراك المجتمعات المحلية في عملية تحديد الاحتياجات وتطوير الحلول، إضافة إلى تعزيز دور النساء من خلال تطبيق أفضل الممارسات التي من شأنها أن تمكّن النساء من المشاركة الفاعلة واستثمار خبراتهن ونقاط قوتهن في مجال التعافي.

تنتهي الورقة إلى استخلاص استنتاجات عامة تمحورت حول أن الانقسام الجغرافي وغياب الحلول السياسية قد عمقا الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، خصوصًا بعد الزلزال، وأدى ذلك إلى تفاقم التهميش والظروف الصعبة التي تعيشها النساء، وأن التعافي الاقتصادي يتطلب تدخلاً فعّالاً لضمان حقوق النساء وإشراكهن في عملية التخطيط والتنفيذ للوصول إلى تنمية اقتصادية مستدامة تلبي احتياجات المجتمع. وهذا يتطلب العمل المتسمر والتصدي لتحديات برامج ومشاريع التعافي، بما في ذلك مكافحة الفساد ووضع سياسات اجتماعية فعالة واعتماد نهج شامل يضمن حقوق النساء ويسهم في تحسين مستوى الحياة للمجتمع بأسره.

على الرغم من رفض البعض لنهج التعافي المبكر وتأييد البعض الآخر له، إلا أنه من الممكن أن يلعب دوراً حيوياً يسهم في تحسين جودة حياة الأفراد وتعزيز قدرتهم على التكيف مع التحديات التي يواجهونها، وتشكل الورقة السياساتية “التعافي المبكر من منظور النساء السوريات” قاعدة أساسية يمكن الاستناد عليها في وضع سياسات ناجحة وآليات عمل واضحة لبرامج التعافي المبكر، والبناء عليها من قبل الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع الدولي بشكل عام لضمان نجاح هذا النهج والوصول إلى التعافي المستدام.

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية