تنامي خطاب الكراهية ضد اللاجئات واللاجئين

*كبرياء الساعور

تقول الكاتبة التركية إليف شفق: “إن العنصرية والخوف من الغرباء يتزايد وكأننا لم نتعلم من التاريخ “ينتعش خطاب الكراهية في الأزمات والهزات الاقتصادية والسياسية، حيث يتراجع دور العقل والتفهم المنطقي للأحداث، ليحل مكانه التفكير الغرائزي الذي يجذب أسوأ أشكال السلوك الاجتماعي، يقول فرويد أن فقدان الأمان يتميز بالخوف والظن السيء بالبشر والخوف من الغرباء.

ولقد جاء في خطاب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غونتيرش “تجتاح الكراهية جميع أنحاء العالم… ويتعالى خطاب بغيض موجه لا للمجموعات الدينية فحسب، بل ونحو الأقليات والمهاجرين واللاجئين والنساء”.

خطاب الكراهية هو خطاب سلبي يدعو للعداء، لا يوجد تعريف أممي واحد لخطاب الكراهية وبحسب تعريف مجلس أوروبا هو: “الدعوة أو الترويج أو التحريض على تشويه السمعة أو الكراهية أو الإساءة إلى شخص أو مجموعة، كذلك أي ازعاج أو إهانة أو تنميط سلبي أو تهديد على أساس العرق أو اللون أو اللغة أو الدين أو الأصل القومي أو الإثني”.

اللاجئات واللاجئون بوصفهن/م الفئات الأضعف اجتماعيا هم من الفئات الأكثر عرضة لخطاب الكراهية.

تقول حنا أرندت في مقال (نحن اللاجئون): “نحن لا نحب أن نسمى لاجئون نحن أنفسنا نسمي بعضنا بعضا بالمهاجرين… قصة كفاحنا اليومية أصبحت أكثر من معروفة، خسرنا وطننا وخسرنا عملنا نحاول أن نثق بأننا مازلنا مفيدين لهذا العالم، خسرنا لغتنا لكن من الطبيعي أن نتعامل بالإشارات واللغة المترجرجة، نحاول أن نسيطر على مستقبل بلا يقين في المجتمعات المضيفة، عندما تحصل رجات أو مشكلات ينظر إلينا الأخرون على أننا (أجانب معادون)”.

لقد أصبح خطاب الكراهية مشكلة في كثير من البلدان التي تستقبل اللاجئات/ين، ولقد واجهت اللاجئات السوريات واللاجئون السوريون التمييز والعنصرية في المجتمعات المضيفة بدرجاتمتباينة تبعا لثقافة المجتمع، ومدى الحماية القانونية التي تتمتع بها اللاجئات/ين.

ما هي أسباب تنامي خطاب الكراهية ضد اللاجئات/ين؟

هل تسببت موجات اللجوء السوري بأرقام مرتفعة بتصاعد العنصرية؟

إن العولمة وعصر اللايقين كما أسماه زيجمونت باومان وانتشار الحروب والصراعات فضلا عن تزايد الحكومات الفاشلة أدت إلى موجات لجوء، وتنامي الهجرة بحثا عن الخبز والحماية من العنف وقد تحول هؤلاء المهاجرون ضحايا الإقصاء والكراهية في البلدان التي

استقبلتهم .يتزايد انتشار خطاب الكراهية بتأثير الاضطرابات السياسية والاقتصادية، واتساع رقعة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، كفضاء مفتوح للجميع للمشاركة بالأفكار ومن ضمنها الأفكار المتطرفة، ونشر خطاب الكراهية، ولقد لاحظ علماء الاجتماع كيف أن خطابات العنصرية سبب لأعمال العنف، ولقد تعرض فيسبوك لانتقادات شديدة بوصفه منصة للتشجيع على العنف ونشر خطاب الكراهية ضد الفئات المضطهدة، وأي باحث على مواقع التواصل الاجتماعي يجد تصريحات تحرض على اللاجئات السوريات/اللاجئين السوريين في الدول التي استقبلتهم.

لقد شكل اللجوء السوري أكبر موجة لجوء في القرن الحادي والعشرين، بسبب الحرب التي يشنها النظام السوري وحلفائه على الشعب وسياسة التهجير القسري، حيث حرمت أغلب السوريات/ين من مختلف مقومات الوجود الاجتماعي، فقدان المنزل والعائلة والعمل والأصدقاء، وفوق ذلك معظم السوريات/ين يحملن/ون ذاكرة من الألم والخسارة والفقدان والمدن المدمرة، قد تدفع أهل البلد المضيف إلى الحذر وعدهم نذير شؤم، ففي إحدى الاتهامات التي وجهت للاجئات السوريات/اللاجئين السوريين، أن أغلبهن/م مصابون بالتروما.

يكفي ذكر كلمة لاجئ للتشكيك بحالته غير القانونية، يقول سلافوي جيجيك: “أما اللاجئون فلا حول لهم ولا قوة فهم هدف سهل… يفرغ فيه الغضب الفائض حتى وإن لم يكن لهم علاقة بالأسباب التي أفضت الى ذلك الغضب”.

تواجه اللاجئاتالسوريات واللاجئين السوريين في دول الجوار حملات ظالمة لاسيما في الدول التي فيهاثقل لتواجدهن/م.

تعود جذور لعنصرية لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، حيث ينمو خطاب الكراهية في المجتمعات غير المستقرة والتي تعاني من انقسامات. كما تلعب الحكومات والسياسيين دور في تنامي خطاب الكراهية حيث يلجأ السياسيون في الانتخابات وغيرها إلى خطاب الكراهية، والتحريض على اللاجئات/ين كوسيلة سهلة لتقديم حلول للمشاكل المعقدة مثل البطالة، كتحميل اللاجئات السوريات اللاجئين السوريين سبب المشكلات المعيشية عندما تشح فرص العمل، فتتصاعد الدعوات لترحيلهن/م، على سبيل المثال في لبنان الذي استقبل قرابة مليون ونصف لاجئة/لاجئ، شهد انتشار خطاب الكراهية في مواجهة السوريات/ين، الذي امتد من المجال السياسي إلى الحياة الاجتماعية والثقافية، وذلك بتأثير تراكمات تاريخية بين البلدين وخطاب عنصري لبعض السياسيين بمشاركة وسائل الإعلام بالتحريض ونشر معلومات كاذبة تعزز النظرة الدونية للاجئ السوري، أما في تركيا والتي عدت من الدول الأكثر انفتاحا على اللاجئات/ين فقد بلغ عدد السوريات/ين قرابة 3.6 مليون، تحدث كاتب تركي في موقع الأناضول عن الموقف حيث أشار إلى وجود زمرة قليلة تتبنى خطاب الكراهية، وهي رغم قلة عددها فإنها الأعلى صوتاً والأكثر جلبة والأقدر على الحشد خصوصاً في صفوف الشباب والعاطلين عن العمل.

وفي دراسة عن اللاجئات/ين أجريت في تركيا، دعت إلى تعزيز المقاربة القانونية والحقوقية لقضية اللاجئات/ين وذلك من أجل التعامل مع الأسباب المؤدية لخطاب الكراهية.

هدفت الدراسة الى إلقاء الضوء على التحديات التي تواجهها النساء السوريات في تركيا، بمجال العلاقة بين النساء السوريات والمجتمعات التركية المضيفة  تحت  عنوان (الحياة في تركيا بعيون نساء سوريا) للباحثة التركية شناي أوزدن وهي عالمة أنثروبولوجيا ثقافية  والباحثة علا رمضان من مؤسسة بدائل لعام 2019، بينت الدراسة أن الكثير من المواطنين الأتراك رحبوا بالسوريات/ين في السنوات الأولى، وقدموا لهن/م المساعدات الخيرية إلا أن تلك النوايا الحسنة تراجعت بمجرد أن اتضح أنهم باقون على المدى الطويل، ولقد أشارت الدراسة إلى أن خطاب الكراهية بدأ يطفو على السطح بعد البيان التركي الأوروبي ولقد ظهر خطاب الكراهية بشكل بارز على مواقع التواصل، من خلال انطلاق حملات تدعو لترحيل السوريات/ين، ارتكزت معظم الحملات على معلومات مضللة تزعم أن الدولة تفضل السوريينعلى المواطنين الأتراك على سبيل المثال أن الطلاب السوريين غير مضطرين لإجراء امتحانات قبول من أجل التسجيل في الجامعات .

ولقد عملت منظمات المجتمع المدني في تركيا على التركيز على برامج ومبادرات التماسك الاجتماعي لمواجهة ارتفاع منسوب العنصرية، مثل توفير مساحات للتواصل الاجتماعي بين النساء والسعي لبناء تضامن بين النساء السوريات والنساء في تركيا، والسعي لإدراك   القواسم المشتركة بدل التركيز على الاختلاف، كما ساهمت بعض المنظمات الحقوقية التركية في مساندة اللاجئات/ين.

بعد خطة دمج الطلبة السوريين في النظام التعليمي التركي، برزت مشكلة التنمر في المدارس، اشتكت أمهات سوريات على مواقع التواصل من تعرض أبنائهم للتنمر، محمد وهو طالب في المرحلة الثانوية بالمدارس المسلكية التركية قال إنه يتعرض يوميا لمضايقات من رفاقه، لكنهيصمت ويكتفي بالتجاهل، بالمقابل تحدثت الطالبة حلا في المرحلة الثانوية: أن معلميها الأتراك يقدمون لها الدعم والتشجيع على التفوق. ومن أجل مواجهة مشكلة التنمر في المدارس، عملت منظمات تركية إلى إقامة أنشطة من أجل مكافحة العنصرية من خلال تدريب المعلمات/ين في المدارس العامة التي تحتوي طلابا سوريين، حول أساليب التعامل مع الطلاب من خلفيات مختلفة والتصدي للعنصرية التي يواجهها الطلاب، من قبل أقرانهم او من قبل أولياء الأمور على الرغم من أن القانون الدولي، وحقوق الإنسان نصت صراحة على حماية الحقوق الإنسانية للاجئات/ين، لكن لابد من الاعتراف أن العالم يشهد تراجع وانتكاسة في حقوق الإنسان وتطبيق القانون الدولي. مازالت اللاجئات/ون يواجهن/ون انتهاكات، وحالات تمييز واضطهاد والنظر لهن/م كفئات ضعيفة يسهل انتهاك حقوقها.

إن مواجهة خطاب الكراهية مسؤولية الجميع من المؤسسات الحكومية والمؤسسات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، لذا لابد من حملات التوعية والتثقيف بالحقوق والقوانين التي تجرم خطاب الكراهية وجعل الشباب شركاء في نشر رسالة التسامح، ويمكن لشخصيات مؤثرة أن تسهم في حملات على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي للحد من خطاب الكراهية، والدعوة للتقارب والحوار وقبول الآخر، وكي نضمن الوصول إلى الهدف المنشود واستثمار الأفضل لهذه المبادرات ينبغي العمل على علاج جذور أسباب العنصرية السياسية والاجتماعية.

*المقال يعبر عن رأي الكاتبة ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة.