دور الصحة النفسية في حياة النساء

 

*هناء الخضر

 

يحتفل العالم في اليوم العاشر من تشرين الأول باليوم العالمي للصحة النفسية، كمناسبة سنوية هامة تهدف إلى زيادة الوعي بأهمية الصحة النفسية وتعزيز الدعم المجتمعي للأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحة نفسية، فالصحة النفسية تعتبر جزءًا أساسيًا من التكوين العام للمجتمع وتؤثر بشكل كبير على جودة الحياة والتنمية الشخصية، وكلما كانت الصحة النفسية للفرد في حالة إيجابية، كان الفرد قادراً على التعامل مع ضغوط الحياة وتحقيق الرضا النفسي، وتتراجع هذه الحالة الإيجابية نتيجة عدة عوامل منها البيئة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ويمكن أن تتطور مشاكل الصحة النفسية نتيجة للتوتر والصدمات والتحديات الحياتية.

 

الصحة النفسية للنساء

تعد الصحة النفسية أحد الجوانب الأساسية للرفاهية الشاملة، فهي تسهم في تعزيز السعادة والتوازن العاطفي والعقلي وتساعد في بناء مجتمع أكثر تفاعلية وقوة، وعندما تكون صحة المرأة النفسية سليمة ومريحة تكون المرأة قادرة على أداء أعمالها والعناية بنفسها وأسرتها وحل المشكلات والاهتمام بالخطط المستقبلية، لكن في بعض الأحيان قد تشعر النساء بالقلق والتوتر، مما يؤدي إلى اعتلال في صحتهن وعدم قدرتهن على إنجاز أي شيء، وربما يكون هذا الاعتلال النفسي أخطر من الاعتلال الجسدي من حيث أنه لا يمكن رؤيته، وإنما الشعور به فقط، والمرأة وحدها من تشعر به، وهنا تحتاج إلى الهدوء والسكينة وتهدئة أعصابها حتى لا تزيد حالتها سوءًا فتمتد إلى العلاج النفسي. 

إن تراجع الصحة النفسية للنساء ناتج عن تحديات متعددة ومختلفة، تشمل التمييز والتحيز الجنسي، والعنف الأسري، والتوترات المرتبطة بالمسؤوليات العائلية والاجتماعية، بالإضافة إلى الضغوط النفسية المرتبطة بتحقيق التوازن بين الحياة المهنية والشخصية.

 ويزداد الأمر سوءًا خلال فترات الحروب والكوارث الطبيعية، فقد تتعرض المرأة إلى جانب كل ما تم ذكره آنفاً للفقدان والتهجير والعنف والنزوح، وينتج عن ذلك كله تدهور كبير في الصحة النفسية للنساء، مثل اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق والأفكار والسلوكيات الانتحارية، مما يجعل من حدة التحديات أكثر قسوة وشراسة، وهذا كله يفرض على المجتمعات أن تعي نظرة النساء للصحة النفسية وأن توفر لهن الدعم والموارد اللازمة لمساعدتهن على التعامل مع هذه التحديات.

 

العلاقة بين الصحة النفسية والجسدية عند النساء

إن ضعف الصحة النفسية لدى النساء يؤدي إلى مشاكل جسدية قد تتحول إلى أمراض مزمنة، فعلى سبيل المثال نجد أن اضطرابات النوم كالأرق والأحلام المزعجة يمكن أن تؤدي إلى الشعور بالتعب والتهيج ومشاكل صحية أخرى، وأن القلق والتوتر المزمن قد يضعف جهاز المناعة فتكون المرأة أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية، كما أن بعض مشاكل الصحة النفسية قد تؤدي ببعض النساء لإيذاء أنفسهن فينتج عن ذلك إصابات جسدية وعواقب صحية طويلة الأجل. ونظرًا للارتباط الوثيق بين الصحة النفسية والجسدية، فإن إيلاء الاهتمام الكبير بالصحة النفسية للمرأة سيعطي نتائج إيجابية تنعكس عليها إيجابياً بشكل خاص وعلى المجتمع بصفة عامة.

 

واقع الصحة النفسية للنساء 

تجدر الإشارة هنا إلى غياب الدراسات الاستقصائية حول معدلات انتشار الصدمات النفسية في سوريا قبل الثورة، إضافة إلى ندرة الدراسات بعد الثورة، ورغم ذلك أكدت إحدى الدراسات التي أجريت عام 2019 بين اللاجئات/ين السوريات/ين في إقليم كردستان العراق “أن النساء اللواتي عانين من الصراع والنزوح كن أكثر عرضة للإبلاغ عن أعراض القلق والاكتئاب مقارنة بالرجال”. وتؤكد غالبية المنظمات التي تعمل في مجال الصحة النفسية بأن القلق والاكتئاب هما الحالتان الرئيسيتان اللتان تؤثران في صحة النساء النفسية في مناطق شمال غرب سوريا.

ووفقاً لموظفات/ي الصحة النفسية “فإن النزوح المتكرر والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية وزيادة التعرض للعنف وسوء المعاملة من العوامل الأساسية التي تؤثر على صحة المرأة النفسية، خاصة النساء اللواتي يعشن في مخيمات شمال غرب سوريا”.

ونظرًا لكثرة التحديات التي تواجه النساء في مجالات الحياة المختلفة وتأثير هذه التحديات على صحتهن النفسية؛ فقد تم تسجيل 22 حالة انتحار خلال عام 2023 بينها 11 حالة باءت بالفشل، وبحسب مصادر إخبارية فإن فئة النساء تشكل النسبة الأكبر من أعداد هذه الحالات، بسبب عدم وجود من يساعدهن على تخطي الصعوبات وتجاوز الأزمات النفسية. 

تقول المختصة النفسية شفاء عبد الله (اسم مستعار) وهي تعمل في إحدى المنظمات المحلية التي تعنى بجانب الصحة النفسية: “إن حالات الاضطراب النفسي أصبحت أكثر انتشارًا بعد زلزال 6 شباط 2023، وكانت الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة هي الأكثر شيوعاً لدى فئة النساء، إضافة إلى حالات الخوف والقلق المستمر واضطرابات النوم وعدم الشعور بالأمان، ومما زاد من حدة هذه الاضطرابات الانخفاض في وعي المجتمع تجاه أهمية الصحة النفسية إضافة إلى انخفاض وعي الأفراد المصابين بالاضطرابات النفسية وخوفهم من النظرة المجتمعية العامة تجاه التعبير عن هذه الاضطرابات، وأيضًا غياب الاهتمام الحقيقي الذي يؤدي إلى التعافي الفعلي من قبل المنظمات التي تعنى بالصحة النفسية”. 

وتؤكد المختصة النفسية شفاء عبد الله أن النساء هن الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية نتيجة عدة عوامل تتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي شمال سوريا: “تتحمل فئة النساء مسؤولية كبيرة تجاه عوائلهن وأطفالهن من حيث الاهتمام بالأسرة ورعاية الأطفال والقيام بالأعمال المنزلية وواجبات الحياة اليومية، وتصبح المسؤولية مضاعفة في حال كانت المرأة تعمل لتأمين مصدر إضافي للعيش، ونتيجة لذلك فإن النساء هن الفئة الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية بسبب هذه المسؤوليات التي تقع على عاتقهن، فنجد معدلات الخوف والقلق لديهن مرتفعة في ظل غياب الاهتمام الحقيقي والوعي المجتمعي تجاه أهمية صحة المرأة النفسية”.

  

الصحة النفسية من منظور نسوي

تعتبر منظورية النوع الاجتماعي أساسية في فهم وتعزيز الصحة النفسية للنساء، من خلال الاستماع إلى قصصهن وتجاربهن والأخذ بعين الاعتبار التفاصيل الجنسانية التي تؤثر على حياتهن، وتوفير البيئة الآمنة والمحفزة التي تمكن النساء من التعبير عن مشاعرهن واحتياجاتهن بحرية، وتوفير الفرص والموارد التي تساعد النساء اللواتي يواجهن تحديات صحة نفسية قوية ليتمكن من التعافي تدريجياً، ويستعدن القوة والثقة بأنفسهن وقدرتهن في التغلب على الصعاب، وهناك العديد من قصص التعافي للنساء، وهي قصص يجب أن نستمع إليها ونتعلم منها لبناء مستقبل أكثر إشراقًا وعدالة.

تركز النسوية على قضايا المساواة والعدالة الجنسية وتعزيز حقوق المرأة والتوعية بأهمية توفير خدمات صحية نفسية متكاملة ومناسبة للنساء، بما في ذلك الاهتمام بالصحة النفسية والتوعية بقضايا العنف الجنسي والتمييز الجنساني. 

 

ختاماً

في اليوم العالمي للصحة النفسية؛ لا بد من التأكيد على أهمية تعزيز الوعي بأهمية الصحة النفسية وضرورة توفير الدعم والعناية النفسية اللازمة للنساء، وأن نتبنى منظورًا نسويًا في التعامل مع الصحة النفسية، يأخذ في الاعتبار التحديات المختلفة التي تواجهها النساء، منظورًا يساهم في بناء مجتمع يعترف بأهمية الصحة النفسية ويعمل على تعزيز الوعي للوصول إلى مجتمعات صحية تولي مسألة الصحة النفسية الاهتمام الكبير والأولوية المستدامة. 

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية