عملٌ غير نمطي لامرأة شجاعة يودي بها إلى الموت

* (تم إعداد هذه المادة من قبل فريق التدريب الإعلامي في الحركة السياسية النسوية السورية، خلال فترة التدريب الإعلامي الذي تجريه الحركة لعضواتها)

(لدي ثلاثة أولاد، ولا عمل حالياً لإعالتهم سوى أن أكون نادلة…) هذا ما قالته لي في آخر لقاء بيننا، حينها كانت المدينة تلتقط أنفاسها في محاولة تجاوز مصاعب العيش، والعودة إلى حياة شبه طبيعية من ناحية الأعمال، والتقاط الرزق، بعيداً عن صوت المعارك والرصاص.

“بيان باضت” سيدة سورية مطلقة لها من العمر 27 عاماً، أمضت سنتها الأخيرة باحثة عن عمل يكفيها ويكفي أولادها مدّ اليد وطلب العون من الآخرين، فكما نعلم سلّة الإغاثة إن وجدت لا تكاد تغطي سوى اليسر البسيط من الاحتياجات. ومع ذلك بحثت بيان عن عملٍ شريف مهما كان لتستطيع الاعتماد على نفسها، وعدم طلب المساعدة.

كانت الفرصة على شكل عمل نادلة في أحد المطاعم، ولأن المجتمع المحلي لم يألف تواجد امرأة في مثل هذا النوع من الأعمال، فقد هاجمها أقاربها أولاً، ومجتمعها ثانياً، وحتى أنه تم عرض الزواج عليها بحجة إعالتها والستر عليها، كي تتوقف عن العمل.

غير أن بيان كانت امرأة قوية وتعلم أنه كي تستطيع تربية أطفالها بدون ضغوط عليها الاستمرار بالعمل مهما كان ودون تقديم تنازلات.

بينما كنتُ أحاول مقابلتها ثانية للتعرف أكثر على تجربتها وتوثيقها لتكون بقعة ناصعة في مسار النساء السوريات القويات الواثقات من أنفسهن، فاجأني خبر قتلها البشع والعثور عليها مرمية في قرية الفيرزية، وهي في الأصل من حي الكلاسة من مدينة حلب، عانت ما عانته من تهجير وأقامت لفترة من الزمن في مخيم باب السلامة.
  نعم لقد تمَّ قتلها من قبل خالها “خ ح” وزوجته “م أ” بحجة مازالت تدغدغ مشاعر المجتمع المحلي، ألا وهي جريمة ما يسمى بالشرف، وأي شرف؟

كم من النساء قتلن بحجة الشرف، وكم من النساء ظلمن بهذه الحجة، وهل فعلاً الشرف هو الدافع؟ وهل الشرف يتعلق فعلاً باختيارات المرأة وتمردها على الواقع البشع لها، فيكون جزاءها الموت. دون حسيب أو رقيب وبمباركة من الجهات القانونية في كثير من الأحيان.

بيان امرأة من نساء كثيرات، اليوم أصبحن يخفن من الثقة بأنفسهن، ويخفن أن يعبرن عما بداخلهن، ويكن مستقلات قادرات على تقرير الأفضل لأنفسهن ولأطفالهن ولحياتهن.

صحيح لقد ألقت قوات قسم الأمن الجنائي في إعزاز القبض على الخال وزوجته حيث اعترفا بارتكابهما للجريمة، ولكنهما مازالا يحتجان بالشرف، ويخفيان الدافع الحقيقي للقتل، وهو قدرة بيان أن تكون قوية ومستقلة ورافضة لزواج مدبر حاولا أن يحيكاه لها بالزواج من ابنهما.

مازال مشوارنا نحن النساء طويلاً جداً، ليس في سوريا فقط، حيث مازال العرف يبرر قتل النساء لأسباب شتى يتم تضمينها تحت إطار الشرف، فكم من النساء قتلن حين تجرأن على المطالبة بإرثهن، وكم من النساء قتلن لأنهن تزوجن شرعاً من رجل لم يوافق عليه الأب أو الأخ، ولو كان زواجهن شرعياً، وكم من النساء قتلن لأنهن تحدين المجتمع واخترن أن يكون قرارهن نابع من ذاتهن أولاً.

نعم حربنا ماتزال مستمرة في مواجهة المجتمع المحلي ومواجهة قوى الأمر الواقع ومواجهة النظرة السلبية للنساء. ونحن في هذا نتشارك مع نساء العالم كافة، ضحايا العنف والقتل وضحايا قوانين تمييزية تبرر للقاتل أو المنتهك ما يقوم به من جرائم.