فشل التطبيع مع النظام يودي بالاقتصاد السوري

 

*ديما المحمد

 

في أيار الماضي قامت عدة دول عربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بإعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية وإنهاء عزلته بعد انقطاع دام أكثر من 12 عاماً، حيث قام ولي العهد السعودي بدعوة رئيس النظام السوري إلى قمة جدة. فقد كانت هذه الدول تأمل بإعادة الاستقرار السياسي إلى سوريا والحد من تهريب الكبتاغون الذي يقف وراءه النظام السوري، ويستهدف الدول الخليجية بشكل أساسي، إضافة إلى أمنية تكمن في مساعي الدول المجاورة لسوريا وهي لبنان والأردن وتركيا في تأمين عودة آمنة وطوعية للاجئات/ين السوريات/ين المتواجدات/ين على أراضيهن/م.

كما تأمل المطبّعون انخراط النظام السوري في عملية سياسية في إطار مبادرة الخطوة مقابل خطوة التي اعتمدها المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون بعد اقتراح أردني، إضافة إلى كل ما سبق؛ كانت هناك آمال بابتعاد النظام السوري عن حليفه الإيراني، والعمل على الحد من نفوذ طهران الممتد في المنطقة.

لن تمضي فترة طويلة حتى يثبت النظام السوري عدم جديته ورغبته بالقيام بأي خطوة جدية من شأنها أن تساعد في الوصول إلى حل سياسي أو تحقيق أي من المطالب العربية. ما سيؤدي تدريجياً إلى خفوت الحماس العربي، وظهور كثير من المؤشرات على توقف هذا المسار، مثل توقف أعمال تأهيل السفارة السعودية في دمشق، وعدم متابعة اللجنة العربية لمسار العلاقات مع النظام، وهجوم عدد من المقالات في صحف سعودية على النظام السوري.

 

آمال اقتصادية

مع انطلاق مسار التطبيع مع النظام، بدأت الآمال بحصول انفراج اقتصادي لبلد منهار بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فالواقع المعيشي والاقتصادي الذي تعيشه السوريات والسوريون في مناطق النظام على وجه الخصوص هو الأسوأ على الإطلاق حتى خلال سنوات الحرب، فالليرة السورية سجلت انخفاضاً حاداً في العامين الأخيرين مما أدى إلى خسارتها 99.3% من قيمتها منذ عام 2011. وفي وقت سابق من هذا العام أعلن برنامج الأغذية العالمي أن حوالي 12 مليون شخص في سوريا (أكثر من 50% من السكان) يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهذا يضعها من بين أعلى ست بلدان تعاني من انعدام الأمن الغذائي في العالم، فالمتوسط الشهري للدخل يغطي أقل من ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة. 

ومع بدء التطبيع العربي مع سوريا انتشرت الأحاديث في الأوساط السورية المحلية عن دعم اقتصادي ستتلقاها البلاد، سواءً عبر الاستثمارات العربية التي من الممكن أن تنعش السوق أو عبر المساعدات التي ستتدفق بشكل أكبر. أياً من ذلك لم يحصل، ويرى الدكتور “كرم شعار” الباحث والمختص في الاقتصاد السياسي أنه كان من الممكن لو نجح مسار التطبيع مع النظام السوري أن يبدأ تعافي اقتصادي جزئي ولكن ملحوظ في البلاد، وذكر أن رويترز قد تحدثت عن أربعة مليارات دولار كانت السعودية قد وضعتهم على الطاولة مقابل أن يعمل النظام على الخطة المتفق عليها والتي كان على رأس أولوياتها كبح تجارة الكبتاغون. ويضيف شعار بأن إخلال النظام بتلك الخطة أدّى إلى عدم حصوله “على مثل هذا المبلغ لأن أربعة مليارات كانت أكثر من كافية لتحقق استقرار بالليرة السورية، وتعافي ملحوظ بالاقتصاد ولكن النظام لم يستطع إثبات حسن نية أو مقدرة على ضبط تجارة المخدرات”. ويقول الباحث كرم شعار بأنّ بشار الأسد مفلس حالياً ولم يبقَ لديه أحد يدعمه اقتصادياً سوى إيران. 

(إيران التي فعلت مؤخراً خطاً ائتمانياً جديداً يوفر للنظام أهم السلع الاستراتيجية، وعلى رأسها النفط، وهذا الخط يزيد من مديونية النظام السوري لإيران إضافة إلى وضع الاتفاقيات التي وقعها الأسد ورئيسي خلال زيارة الأخير إلى سوريا في أيار الماضي حيث وضعت هذه الاتفاقيات حيز التنفيذ، وتضم: بنك مشترك وشركة تأمين، واستكمال تنفيذ مشروعات كهربائية في مناطق النظام، وإنشاء خطوط ترانزيت برية وبحرية بين سوريا وإيران، بالتوازي مع إلغاء التعرفة الجمركية بشأن الصادرات والواردات بين البلدين، وإنشاء منطقة حرة وسط البلاد. إن إبرام الاتفاقيات هذه وتفعيل الخط الائتماني الجديد من شأنه امتلاك إيران لأدوات وأوراق تمكنها من الهيمنة على كافة قطاعات الاقتصاد السوري وخاصة السيادية منها).

أدى فشل النظام بإدارة مسار التطبيع وتراجع حماس الدول العربية، إلى خيبة كبيرة أصابت الاقتصاد السوري، الذي كان بحاجة خطة إنقاذ، وهو ما أدى إلى وصول سعر الصرف إلى 13550 ليرة سورية مقابل دولار أمريكي واحد في الأسابيع الماضية، لتخسر الليرة 50% من قيمتها بالمقارنة مع بداية العام. هذا الانهيار المستمر لليرة سيعقبه انهيارات متتالية في مختلف مفاصل الحياة في البلاد. حيث أدى التضخم وانهيار سعر الصرف إلى ارتفاع في أسعار الوقود والأغذية، إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية خلال الشهرين الماضيين بنسبة 100%.

 

القرارات الحكومية

أصدر رئيس النظام السوري مرسوم تشريعي بتاريخ 12 آب لعام 2023؛ والقاضي بزيادة في الرواتب والأجور بنسبة 100% للعاملات/ين في قطاع الدولة والقطاع العام، لكنّ هذه الزيادة أدت عملياً إلى ارتفاع أسعار المستهلك.

وبشكل متزامن مع الزيادة رفعت حكومة النظام أسعار المحروقات بنسب متفاوتة وصل أعلاها إلى 167% فارتفع سعر البنزين المدعوم (90 اوكتان) من 3 آلاف ليرة سورية إلى 8 آلاف ليرة سورية، والبنزين المدعوم (95 اوكتان) من 6700 آلاف ليرة سورية إلى 13500 ليرة سورية ولتر المازوت المدعوم من 700 ليرة سورية إلى ألفي ليرة سورية وسعر لتر المازوت الحر للقطاع الصناعي إلى 11 ألفا و550 ليرة بدلاً من 5 آلاف و400 ليرة. 

ثم أعلنت وزارة الكهرباء في حكومة النظام رفع أسعار الكهرباء بنسبة وصلت إلى أكثر من 200% لبعض شرائح الاستهلاك.

ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء سيؤثر بشكل مباشر على الزراعة والصناعة ومختلف قطاعات الإنتاج، وهذا سينعكس بالضرورة على أسعار المنتجات النهائية، والمستهلك هو من سيدفع الضريبة الأكبر. 

وبحسب مؤشر صحيفة قاسيون فإن تكلفة المعيشة للفرد الواحد ارتفعت خلال شهري تموز وآب بمعدل 58.3%، ويتحدث محللون محليون أن متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية من خمس أفراد؛ هو 10 مليون ليرة سورية شهريا بينما يبلغ الحد الأدنى للأجور بعد الزيادة الأخيرة 185 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 12 دولار أمريكي شهرياً.

 

التطبيع بين تركيا وسوريا

وعند الحديث عن التطبيع العربي مع النظام لابد أن نذكر التطبيع التركي أيضاً ومساعي السياسيين الأتراك تحت رعاية روسية إلى إعادة العلاقات مع النظام السوري، فإعادة هذه العلاقات من شأنها أن تكون بداية انفراجاً اقتصادياً لكلا البلدين فـ تركيا هي المورد البري الأكبر للبضائع التي تدخل إلى سوريا وبإعادة العلاقات كانت ستظهر هذه الآثار الاقتصادية بشكل جلي .لكن هذا المسار مايزال بنقطة البداية لا يبرح مكانه فكل طرف لديه شروط لا يوافق عليها الطرف الثاني، ونراهما يتبادلان التصريحات التي من شأنها أن تعرقل مسار أي مصالحة ممكنة بينهما رغم الوساطة الروسية التي تبذل كل ما بوسعها لتحقيق هذا الأمر فهي تعتبره مكسباً استراتيجياً للجميع ومن خلال التطبيع تستطيع التفاوض والتعاطي مع الطرفين التركي والسوري بسهولة أكبر، وبذلك تتقدم خطوة إضافية في سبيل إرساء الحل السياسي في سوريا.

النظام السوري يسمي تركيا احتلالاً ويطالب بخروج قواتها من جميع الأراضي السورية، بينما ترفض تركيا الاستجابة لمثل هذا المطلب، بل هي الأخرى لديها مطالب مختلفة تماماً أهمها إعادة اللاجئات/ين السوريات/ين إلى أراضيهن/م وتكون الإعادة آمنة وطوعية على حسب زعمهم، إضافة إلى ضبط الحدود وأمنهم القومي ولا يمكن ان يتحقق ذلك إلا بإعادة العلاقات مع النظام والبدء بعملية سياسية من شأنها تغيير الأوضاع داخل البلاد، فبذلك نرى أن كل حكومة تطلب من الأخرى مطالب لن تستطيع تحقيقها. لذلك قد لا نرى تقدماً في هذا المسار على المدى القريب ولا حتى المتوسط.

 

ختاماً

إنّ تعنت النظام السوري وغروره وثقته المفرطة بانتصاراته التي كسبها بطرق كبيرة، التي إذا أضفناها إلى استخدامه المفرط للعنف والقوة، فهي الدعم الروسي والإيراني الاقتصادي والعسكري، وتجارة وتهريب الكبتاغون التي كشفت عدة تحقيقات مؤخراً عن تورطه بها، إضافة إلى نظام الحوالات الخارجية والمساعدات الإنسانية عن طريق الأمم المتحدة، لن يصل النظام وينجح بأي مسار من مسارات التطبيع سواءً العربية منها أم التركية طالما يريد أخذاً دون عطاء، ينتظر المكاسب ولا يريد دفع الأثمان.

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية