في اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب: متى يتم مكافحة الإفلات من العقاب بحق الصحفيات/ين في سوريا؟

 

*لما راجح

 

كل عام في 2 تشرين الثاني، ترتفع الأصوات عالياً مطالبةً بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات باختلاف أنواعها بحق الصحفيات/ين والعاملات/ين في المجال الإعلامي، وللتذكير باستمرار هذه الانتهاكات، وزيادة الوعي حول مجموعة التحديات والمخاطر المختلفة التي تواجهها الصحفيات/ين أثناء قيامهن/م بمهامهن/م.

كما يأتي هذا اليوم ليذكرنا بأهمية الاستمرار في توثيق كافة الجرائم التي تقع بحق الصحفيات/ين، كما تفعل بعض المنظمات الحقوقية والصحفية المعنية بتوثيق هذه الجرائم، وحفظها وتقديمها بالوقت المناسب للعدالة، بما يضمن استرداد حقوق الصحفيات/ين، وتوصيل أصواتهن/م وحفظ قضيتهن/م، ولتعزيز ثقافة عدم الإفلات من العقاب.

في هذا الصدد من الأهمية الإشارة إلى أن جيش الاحتلال الصهيوني استهداف الصحفيات/ين والعاملات/ين في المجال الإعلامي في قطاع غزة، فمنذ 7 تشرين أول حتى لحظة كتابة هذا المقال وحسب ما أشار إليه موقع BBC نقلاً عن لجنة حماية الصحفيين، فإن جيش الاحتلال الصهيوني قتل 21 صحفياً، و3 صحفيات في قطاع غزة، وصحفياً لبنانياً في جنوب لبنان. 

أما في سوريا؛ فهي الأخرى تعتبر من أخطر البيئات على عمل الصحفيات/ين، حيث اعتدنا كل عام أن نراقب مؤشرات المنظمات الدولية التي تندد بالانتهاكات بحق الصحفيات/ين، مطالبةً بحمايتهن/م، وتوفير بيئة آمنة لهن/م، ومنها منظمة مراسلون بلا حدود، التي تشير بشكل مستمر ضمن تقاريرها إلى احتلال سوريا المراتب الدنيا في مصادرة حرية الرأي والتعبير وملاحقة الصحفيات/ين من قبل كافة أطراف النزاع، سيما من قبل النظام السوري، حيث تصدرت سوريا هذا العام قائمة الدول بعدد الصحفيات/ين المفقودات/ين اللواتي/الذين بلغ عددهن/م 33 شخصاً حسب المنظمة.

وبالنظر إلى عدد الجرائم المرتكبة ضد الصحفيات/ين خلال النزاع السوري المستمر، وكذلك محاولات محاسبة الجناة، نجد أنه ما يزال هناك إفلات من العقاب للغالبية العظمى من هذه الجرائم. فوفقاً لدراسات أجراها الاتحاد الدولي للصحفيات/ين (IFJ)، فإن تسع من عشر جرائم ضد الصحفيات/ين في سوريا ما تزال بلا عقاب.

كما أنه من المهم الإشارة إلى خطورة العمل الصحفي بالنسبة للنساء الصحفيات، إذ تواجه العديدات منهن مخاطر كثيرة ويعانين أحياناً من التمييز القائم على النوع الاجتماعي، كالملاحقة والتهديد والاعتقال والتغييب القسري نتيجة كونهن نساء صحفيات، كما واجهت البعض منهن مخاطر تتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي.

ومن هنا فإنه من الأهمية التركيز على العبء المضاعف على الصحفيات النساء، حيث تعمل العديد منهن في بيئات غير آمنة، ويزيد التمييز القائم ضدهن من قبل سلطات الأمر الواقع في سوريا من وتيرة الخطورة عليهن وعلى سلامتهن الجسدية والنفسية، وكذلك يزيد من صعوبة عملهن، وأحياناً صعوبة تنقلهن وحركتهن في سوريا.

وللحقيقة فإن ما يسمح لهذا الوضع بالاستمرار عدة أسباب منها: غياب الوعي بالدور المهم والحيوي الذي تقوم به الصحفيات/ين السوريات/ين في نقل المعلومات والأحداث، وتأديتهن/م لواجبهن/م المهني، كما يغيب أحياناً عن الأذهان أهمية الدور المهني الذي تقوم به العديد من الصحفيات السوريات ضمن التغطيات الصحفية بما يضمن تنويع القضايا وتنويع الأصوات، بالإضافة للمخاطر التي تواجههن، والتي تقف أمامهن في القيام بدورهن كصحفيات، بالإضافة لغياب ثقافة عدم الإفلات من العقاب ضد مرتكبي الانتهاكات بحق الصحفيات/ين السوريات/ين، وعدم وجود وعي دولي أو ربما جدية من قبل المجتمع الدولي بأهمية ملاحقة الجناة ممن ارتكبوا انتهاكات بحقهن/م. 

وبالتالي فإنه من الأهمية الإشارة إلى تعزيز ثقافة عدم الإفلات من العقاب، وأن تكون قائمة ضمن إجراءات قضائية دولية تستند بالدرجة الأولى إلى هوية الضحايا وعملهن/م كونهن/م صحفيات/ين، وكيفية محاسبة الجناة بناءً على الانتهاكات والفظائع التي تمت من قبلهم، والتي تنتهك القوانين والأعراف الدولية الناظمة لعمل الصحفيات/ين.

كما أنه من الأهمية تعزيز الوعي المجتمعي بشكل خاص بالمخاطر والتهديدات المختلفة التي قد تواجه العديد من الصحفيات السوريات، سيما ضمن عملهن الميداني.

 

ارتكاب الجرائم باسم القانون

ما حدث ويحدث من انتهاكات مختلفة بحق الصحفيات/ين في سوريا ليست وليدة السنوات الأخيرة، وذلك منذ اندلاع أحداث عام 2011، بل وفي العودة للسياق التاريخي سنجد أن النظام السوري ارتكب العديد من الانتهاكات بحق الصحفيات/ين ولاحقهن/م وأغلق العديد من المؤسسات الإعلامية المعارضة له، وكل ذلك باسم القوانين التي سنها بهدف التضييق على الصحفيات/ين ومصادرة حرية الرأي والتعبير، منها قانون المطبوعات 2001 وقانون الإعلام 2011 وآخرهم قانون الجريمة الالكتروني 2022.

والمتتبع/ة سيلاحظ الأرقام الكبيرة للصحفيات/ين اللواتي/الذين اعتقلن/وا وتم تغيبهن/م قسرياً دون وجود أي رادع للنظام السوري.

إذ تعتبر البيئة القانونية الناظمة للتشريعات الإعلامية السورية هي الأخرى منتهكة لحقوق الصحفيات/ين، وتعمل على مصادرة حرية الرأي والتعبير، حيث تتضمن جميع القوانين المذكورة بنود لقوانين مبهمة وفضفاضة، وهو ما مكن النظام السوري من فرض رقابة شديدة على قطاع الإعلام، وملاحقة واستهداف الصحفيات/ين، وفي ظل استمرار النظام السوري في انتهاك الشرائع والمواثيق الدولية التي تعنى بحرية التعبير، والحق في الحصول على المعلومات وتداولها عبر وسائل الإعلام المختلفة وبكل حرية وضمن بيئة ضامنة لسلامة وأمن الصحفيات/ين.

ومنذ عام 2011 ارتكبت جميع أطراف الحرب دون استثناء الجرائم بحق الصحفيات/ين وعلى رأسهم النظام السوري.

فوفقاً لتقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان بعنوان “في اليوم العالمي لحرية الصحافة: التقرير السنوي عن أبرز الانتهاكات بحق الإعلاميين في سوريا” لهذا العام، أشار إلى الأرقام المرعبة حول استهداف الصحفيات/ين على يد أطراف النزاع، ويتصدرها النظام السوري. سنحاول هنا أن نستعرض أبرزها، حيث سجل التقرير مقتل 715 من الصحفيات/ين والعاملات/ين في مجال الإعلام، بينهم 6 امرأة صحفية، و52 قتلن/وا بسبب التَّعذيب، إضافة إلى إصابة ما لا يقل عن 1603 بجراح متفاوتة، وذلك على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا منذ آذار/2011 حتى أيار/2023.

 

ماذا عن الصحفيات/ين السوريات/ين

مازالت قضية محاسبة مرتكبي الجرائم بحق المدنيات/ين بشكل عام والصحفيات/ين السوريات/ين بشكل خاص من أكثر القضايا إلحاحاً، في ضوء إحراز نوع من التقدم ولو بشكل ضئيل في محاسبة وملاحقة مرتكبي الانتهاكات بحق المدنيات/ين ومن ضمنهن/م الصحفيات/ين.

إذ بتنا اليوم نشهد محاسبة لبعض مرتكبي هذه الجرائم في سوريا، مثلما حدث في محاكمة أنور رسلان، وإياد غريب، حيث تم تقديمهما للقضاء الألماني بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية واتهامهم بقتل وتعذيب المدنيات/ين ومن بينهم صحفيات/ين.

وبالتوازي بدأت في فرانكفورت محاكمة علاء موسى، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وضلوعه في تعذيب معتقلات/ين، حيث وقعت هذه القضايا جميعها ضمن الاختصاص العالمي الذي ينص عليه القانون الألماني.

وآخرها ما تقدمت به كل من هولندا وكندا لدى محكمة العدل الدولية ضد النظام السوري، واتهامه بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب عام 2004. 

هدفت كل من كندا وهولندا إلى ملاحقة النظام السوري وجعله مسؤولاً عن ارتكابه الانتهاكات لحقوق الإنسان وعمليات تعذيب.

وتظل هذه القضية لها أهميتها، كونه أول مرة ينظر بالانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري من قبل محكمة دولية في حال وجدت محكمة العدل الدولية أن لها اختصاصا للنظر في القضية، كذلك للتذكير بجرائم التعذيب والإخفاء القسري التي نفذها النظام السوري بحق المدنيات/ين ومن ضمنهن/م الصحفيات/ين. 

لكن حتى اليوم لم نشهد أي محاكمات خاصة تطالب بشكل مباشر وصريح بمحاكمة من ارتكب انتهاكات بحق الصحفيات/ين السوريات/ين إلا في حالة واحدة فقط، وذلك عندما اعتقلت السلطات الفرنسية مجدي مصطفى نعمة الملقب “إسلام علوش”، المتحدث السابق باسم جيش الإسلام، حيث وجهت له تهماً مختلفة من بينها تهم عن اعتقال الصحفية السورية والمدافعة عن حقوق الإنسان رزان زيتونة وزوجها واثنين من زملائها في عام 2013. 

بينما جاءت جميع المحاولات لمحاسبة الجناة بحق الصحفيات/ين اللواتي/الذين تم استهدافهن/م في سوريا؛ ضمن الحالات التي يكون فيها الضحايا من مواطني الدول التي تقوم بالملاحقة القضائية مثل ما حدث في أمريكا.

إذ تم عقد محاكمة ضد مرتكبي الانتهاكات بحق الضحايا ممن كانوا صحفيات/ين معروفات/ين وغير سوريات/ين، مثلما حدث في محاكمة مرتكبي الجرائم في الولايات المتحدة الأمريكية، ضمن قضية “بيتلز داعش”، حيث قدم القضاء الأمريكي كل من الشفيع الشيخ وألكساندا كوتي للمحاكمة، ممن شاركوا في قتل الصحفي الأمريكي جيمس فولي والصحفي الأمريكي ستيفن سوتلوف، ومحاكمتهم في ولاية فرجينيا. 

كما رفعت المحكمة الأمريكية قضية بحق النظام السوري، وطالبته بدفع تعويض مالي على خلفية استهداف وقتل الصحفية الأمريكية ماري كولفين.

 

ومن هنا فإن تعزيز ثقافة عدم الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة بحق الصحفيات/ين السوريات/ين تعتبر من أكثر القضايا تعقيداً، وتحتاج إلى المزيد من الجهود الدولية للمطالبة بعقد محاكمات خاصة بالجناة ممن ارتكبوا انتهاكات وجرائم بحق الصحفيات/ين اللواتي/الذين تم استهدافهن/م في سوريا، ومن قبل كافة الأطراف.

ويعتبر هذا النوع من الدعاوى من أكثر التحديات التي تحتاج إلى مسار عدالة واضح، يستند إلى التشريعات الدولية منها القانون الدولي الإنساني في فترة النزاعات، واتفاقيات جنيف، والبروتوكول الإضافي الأول إلى اتفاقيات جنيف الصادر عام 1977، الذي يتناول بشكل واضح مسألة الصحفيات/ين اللواتي/الذين يقمن/ون بمهام مهنية خطيرة في مناطق النزاع المسلح. 

كما أنه من الأهمية التذكير المستمر بالفظائع التي تمارسها الأنظمة القمعية، وعلى رأسها النظام السوري، من استهداف ممنهج ومستمر للصحفيات/ين ومقرات عملهن/م. والأهم هو العمل الدائم على توثيق هذه الانتهاكات التي تتم بحق الصحفيات/ين، على أمل أن يتم تقديمها يوماً ما ضمن محاكمات عادلة للضحايا، ومحاسبة الجناة كنوع من تحقيق العدالة لهن/م. 

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية