قادرات رغم جَور العائلة والمجتمع والحرب

*ميادة قدور

فرضت الحرب على النساء حياة مختلفة تماماً عما كانت عليه من قبل، فكثيرات منهن أصبحن معيلات لعائلاتهن، إما بسبب الفقر أو لغياب المعيل أو إصابته.

تضطر بعض النساء للعمل خارج المنزل لساعات طويلة، محرومات من حق الأمومة واحتضان ورعاية طفلاتهن وأطفالهن، وهذا سببه عدم مراعاة غالبية المؤسسات للفروق الجندرية وحقوق الإنسان.

ولا تكفل أماكن العمل وقت استراحة للأم تتمكن خلاله من الاطمئنان على طفلتها أو طفلها، كما لا تستطيع المرأة اصطحاب رضيعتها أو رضيعها إلى مكان العمل، لعدم توفر حضانة أو مساحة آمنة ومراقبة مخصصة لأطفال الموظفات والموظفين، وهذا من شأنه إما أن يؤخر المرأة في عملها أو يتسبب باتهامها بـ “التقصير” تجاه الطفلة أو الطفل.

باتت نسبة كبيرة من النساء تؤمن بضرورة العمل أو سنحت لهن الفرصة للتعبير عن رغبتهن بالعمل، وبعضهن ندمن لعدم إكمال دراستهن أو تعلمهن لمهنة ما بدلاً من الاستسلام للشكوى والاعتماد على المساعدات، حتى من تعيش حياة زوجية سعيدة وتنعمباستقرار مادي، لا تنكر أهمية التعليم وقيمة العمل المضافة لحياتها الشخصية.

من أقسى ما مرت به النساء في مجتمعنا، والذي ساعدت الحرب في زيادة معدلاته، هو الزواج المبكّر، الذي قضى على طموح وحقوق كل فتاة حلمت يوماً بحياة مستقرة ومثمرة تكون هي سيدة نفسها وصاحبة قرارها.

تروي إحدى النساء تجربتها مع الزواج المبكر قائلة: كنت أكثر حظاً من أختي التي تم تزويجها وعمرها لا يتجاوز الـ 12 سنة بينما أنا تزوجت وعمري 14 سنة.

تكمل قائلة: “زواج أختي لم يدم إلاثلاثة أيام، بينما زواجي مازال مستمراً. أُضرب و أُركل و أُهان، ثم أعود لزوجي أسترضيه و أخدمه، لدي طفلان وأخاف أن يبعدني عنهما، وأهلي يزوجوننا كيلا نعود إليهم. إنهم لا يسألون إن كنت حية أو ميتة”.

 تقول امرأة أخرى: “زوجي متشدد جداً، لا يسمح لي برؤية أحد ولا بفتحالباب لأحد خاصة بعد التهجير. وجدت نفسي مع طفلين لا أعرف كيف أعتني بهما. عمري 17 سنة”.

تكمل: “حُرمت طفولتي ولا أعرف كيف أمنح طفلي حقهما في الرعاية، ليس فقط كوني طفلة تربي طفلين، بل تقتلني تلك العزلة التي تقودني إلى الدعاء على ابني كلماساءت حالته الصحية، ويسوءني أن أراه طوال اليوم معزولاً وجالساً في زاوية المنزللا يعرف شيئاً عن العالم الخارجي. فقرٌ وأطفال وعزلة، هذه حياتي التي اختارها ليأبي، ظن أن حصار الغوطة سيغتالني، لم يدر أن الحصار يزول واغتياله باق فيّ مابقيت”.

امرأة أربعينية في محاضرة للتوعية بحقوق النساء وكيف أن من واجب الأم حمايةطفلتها، تهز رأسها مراراً وتقول: “والله صحيح والله صحيح”. تبين فيما بعد أن لديها طفلة متزوجة ولديها ولدين، وتعاني من حالة نفسية مضطربة تتسم بالعصبية تجاه كل شيء.

بالمقابل وعلى صعيد العائلة، كثيراً ما تكون الأمهات سبباً في حرمان فتياتهن من التعليم، وسبباً في زواج جائر أو غير متكافئ، فـ “رضا الأم من رضا الرحمنوغضبها من غضبه” وبهذه الورقة تشكل ضغطاً قوياً على ابنتها لتدفعها نحو زواجلا تعرف نتائجه.

تقول إحدى الأمهات: “لدي ابنتان، إحداهما تسمع كلامي ومطيعة لي”، زوجتهابعمر الـ 14 سنة، وهي الآن سعيدة في بيت زوجها. أما ابنتي الثانية فقد تقدم ابنعمها لخطبتها، وهو شاب أحبه جداً وأحترمه ولن أجد زوجاً أفضل منه لابنتي، تعاندني وترفضالخطبة رغم أني حاولت إقناعها بكافة الطرق حتى بالضرب”.

تحتاج مجتمعاتنا إلى أمهات واعيات متفهمات لرغبات بناتهن، ومتفهمات لمتطلباتمستقبلهن بشكل يتناسب مع قدراتهن وأهدافهن.

تقول إحداهن: “زوجني أبي بشاب مقاتل طامعاً بماله، مات بعد شهر منزواجنا وبقي لي منزله، ورجعت إلى بيت أهلي، وعند أصغر شجار مع أمي تنعتنيبالأرملة، نعم أنا أرملة المصالح وأرملة الطفولة وأرملة الاختيار”.

معوقات كثيرة تمنع النساء من ممارسة حقهن في إبداء الرأي والمشاركة في صناعة القرار، تعد الذكورة أهمها، ومن ثم العادات والتقاليد التي يفرضها المجتمع، وعدم تقبل وجود المرأة كعامل فعال في صياغة القرارات. حتى في بعض المجتمعات أو بيئات العمل المنفتحة نوعاً ما، كثيراً ما توضع المرأة كواجهة جندرية، ولكن على أرض الواقع تعامل كـ “رقم”، ويهمش صوتها ولا يؤخذ به بحجة طغيان العدد الذكوري.

لم تقتصر آثار الحرب على تزويج القاصرات، بل فرضت ظروفاً صعبة منعت الكثيرات من حصولهن على الشهادة الجامعية  تقول إحدى الطالبات: “كانت جامعة إيبلا التابعة إدارياً للنظام، قبلة الكثيرات، ومحط أحلامهن، إلا أن الحلم ما لبث أن تبخّر وأغلقت الجامعة لأسباب لا ذنب لنا بها، وأصبحت جامعة إدلب التابعة لـ “حكومة الإنقاذ” هي الخيار الوحيد، هذا م أوقفني عن إكمال دراستي، فلا رغبة لدي بالرجوع إلى نقطة الصفر والبدء بجامعة جديدة مستقبلها غير مضمون فغالبية الدول لا تعترف بشهاداتها إضافة إلى  أننا  لا نعرف إلى أين ستذهب بنا الطرق غداً”

بالنسبة لطالبات المدارس فيعتبرن أن الأولى محاربة الجهل بكافة أشكاله وتحييد التعليم عن الصراع بين التعليم في الشمال السوري والتعليم في مناطق النظام، طالما أن الهدف السامي هو القضاء على الجهل والحصول على الشهادة العامة مهما يكن ومتابعة التحصيل الجامعي والمساهمة بالتالي في بناء المجتمع. تحدثنا إحدى الفتيات من طالبات المدارس “أنا أرى أن من ينادي بالتفرقة في عملية التعليم هو جاهل ودخيل على ثورتنا فلم تنطلق الثورة لتكريس الجهل وانما لأجل رفع مستويات الفكر والارتقاء بالإنسان لأجل نيل حقوقه كاملة”.  

حتاج النساء إلى حماية مجتمعية ضد الجهل، وإلى مناصرة حقيقية لحماية حقوقها وتعويضها عن أذى الحرب وضمان سلامها النفسي، تحتاج إلى مجتمع يعي أهميتها وأهمية دورها، ويعمل على تطوير مهاراتها وإمكاناتها واحترام قدراتها، واحترامها ككيان من حقه الاختيار والقرار عن نفسه.

تتنوع أساليب الحياة التي تعيشها المرأة في ظل الحرب، لكن بشكل عام، تثبت النساء السوريات يومياً قدرتهن على التعامل مع الألم وتخطي المصاعب المحيطة بهن وأنهن قادرات على العمل وجديرات بالثقة.

ما نطمح إليه هو استنباط القدرات الكامنة في المرأة السورية إذا ما أتيح لها جو من الأمن والسلام الروحي، فتحسين واقع المرأة بشكل عام سيعود بالنفع على المجتمع ككل وسيمهد الطريق لأجيال قادمة من النساء والرجال للعيش في مجتمع صحي تصان فيه حقوق الجميع، ويعامل فيه الفرد بناء على مهاراته وإمكانياته، وتغيب فيه الفروق الجندرية والطبقية والعرقية ويّقبل فيه كل اختلاف تحت مظلة القانون.

*المقال يعبر عن رأي الكاتبة ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة