لا انتخابات دون مشاركة النساء

*سلمى الدمشقي

ماهي الانتخابات؟ ماهي هذه الكلمة السحرية التي تدغدغ مشاعرنا وتجعلنا نحلم بأن لصوتنا معنى ويمكن أن يؤثر وأن يحدث فرق كوننا نصف المجتمع وأنه يمكننا الترشح لأي منصب نريده بصفتنا نساء وأن تكون واحدة منا رئيسة لسوريا وكثيرات منا في مجلس الشعب عضوات وفي مجالس الإدارة المحلية والبلديات. 

خلال برنامج الجلسات التشاورية للحركة السياسية النسوية السورية توجهنا بسؤال إلى حوالي /150/ امرأة سورية في /15/ منطقة تشمل كل مناطق سوريا، والسؤال هو ما هي الانتخابات التي تريدينها؟

هو سؤال من النوع السهل الممتنع، فالحقيقة أننا منذ خمسين عامًا لم نعرف أو نتعرف سوى على انتخابات كانت نتيجتها معروفة للقاصي والداني قبل الإعلان عنها، وعلى المستويات الثلاث رئاسة الجمهورية وعضوية مجلس الشعب وحتى انتخابات الإدارة المحلية كنا نعرف مسبقًا أنه لن يصل إليها إلا من لديهن/م صفات معينة.

لذلك لم تكن أحلام معظمنا ترقى إلى أن تحلم بالمشاركة بهذه الانتخابات بصفتها مرشحة وحيث أننا نعرف بأن النتائج معروفة مسبقًا لذلك كانت مشاركاتنا كنساء ضعيفة وشبه معدومة بأن ندلي بأصواتنا في اختيار مرشحينا وهكذا لدينا عدة أجيال في سوريا لا تعرف معنى الانتخابات الحقيقية بشكل واضح وملموس.

ما هي الانتخابات التي نريدها كنساء؟؛ سؤال يتضمن ويتفرع عنه مجموعة من القضايا تشاركناها مع النساء في الورقة السياساتية التي صدرت مؤخرًا بعنوان “لا انتخابات دون مشاركتنا: البيئة الآمنة لانتخابات عادلة ونزيهة وشرعية من منظور نساء سوريات” والتي نحاول بها أن نرسم مستقبل سوريا التي نريد، فالنساء السوريات وبعد عقد طويل من الخسارات والانتهاكات والوجع تحملن العبء الأكبر منه، من حقهن أن يطالبن بأن يرسمن مع شركائهن الرجال ملامح سوريا القادمة وذلك عبر انتخابات ديمقراطية شفافة وعبر نظام انتخابي يضمن وصول النساء إلى مراكز صنع القرار، عبر تذليل كل العقبات التي تمنع مشاركة النساء في الانتخابات كمرشحة أو مقترعة. 

العقبات التي تمنع مشاركة النساء في الانتخابات سواءً بالترشح أو بالاقتراع كثيرة، فرغم أن الدستور السوري منذ الخمسينات سمح للنساء بالانتخاب، ودستور عام 1973 سمح لهن بالترشح إلى عضوية مجلس الشعب والإدارة المحلية وحصر الترشح لرئاسة الجمهورية بالذكر المسلم، إلا أن عدد كبير من النساء حتى يومنا هذا لم يذهبن إلى مركز الاقتراع ولم يشاركن بهذه التجربة نهائيا، وهذا يعود إلى أسباب اجتماعية كثيرة تحدثت عنها النساء في هذه الجلسات بالتفصيل، هذه الأسباب تتعلق بالدين وقوامة الرجل والعقلية الذكورية السائدة في عاداتنا وتقاليدنا وأن الشأن السياسي هو من اختصاص الرجال لأن النساء عاطفيات ومكانهن المنزل وتربية الأطفال. كما أنهن تعودن أن يأخذ الرجال هوياتهن في الانتخابات وينتخبن بدلاً عنهن ما دام صوت الجميع غير مسموع ولن يغير في النتيجة بشيء ويبقى واجب الانتخاب يتعلق بالخوف الأمني من رفض المشاركة أو الامتناع عنها .

كثيرات من النساء لا يعرفن أن الانتخاب هو حق لهن نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بل يعتبرونه واجبًا ثقيلاً يمارسنه خوفًا من المساءلة الأمنية.

أيضًا هذه النسبة الضعيفة للمشاركة لها أسبابها الموضوعية والمتعلقة بتفصيلات العملية الانتخابية خلال السنوات العشر الأخيرة، مثل بعد مراكز الاقتراع أحيانًا عن المناطق الريفية أو عن مخيمات النزوح وبالتالي تجد النساء صعوبة في الوصول والإدلاء بأصواتهن وخاصة إذا ترافق هذا البعد مع وضع أمني غير مستقر، أو مع تكلفة مواصلات عالية في ظل وضع معيشي واقتصادي خانق، أيضًا عدم وجود مراكز اقتراع خاصة بالنساء في المناطق المتزمتة دينيًا. 

بالإضافة إلى عدم المعرفة بالمرشحين الذين لم يتقدموا ببرامج انتخابية واضحة في حملاتهم الانتخابية أو رفضهم لهؤلاء المرشحين بسبب تلوث أيديهم بالدماء في الفترة السابقة أو لولائهم لإحدى القوى المسيطرة على الأرض في كل مناطق سوريا أو لفسادهم أو لكونهم شخصيات معروفة في نظام الأسد.

وبرغم أن نسبة كبيرة من النساء تمردن على العقلية الذكورية السائدة ودخلن في شتى مجالات الحياة العامة إلا أنهن لم يخضن العملية الانتخابية كمرشحات ولم يصلن إلى مواقع صنع القرار إلا فيما ندر، وهذا يعود إلى أسباب موضوعية تتعلق بالقانون الانتخابي الذي لم يكن حساس لوضع النساء فالحملات الانتخابية تكلف مالاً كثيراً والقروض التي تمنحها الدولة لتمويل هذه الحملات تتطلب رهنًا عقاريًا وأغلب النساء لا يوجد لديهن ممتلكات عقارية ولا يستطعن أخذ قروض بمبالغ كبيرة إذا كن موظفات ومن ذوي الدخل المحدود وبالتالي لا يستطعن منافسة الرجال بحملاتهن الانتخابية، كما أن وسائل الإعلام والتي يفترض أن تكون محايدة وتوصل أصوات جميع المرشحين والمرشحات على قدر المساواة هي غير محايدة أساسًا تجاه المرشحين الرجال وهي غير محايدة أضعافاً مضاعفة تجاه المرشحات النساء لأن العقلية الذكورية هي السائدة، والتي تقول أن السياسة هي حكر للرجال.

ورغم أن أفضل نسبة لمشاركة النساء في مقاعد مجلس الشعب هي 12% نرى أن القانون الانتخابي السوري ومنذ دستور عام 1973 يضع كوتا مشاركة 50% للعمال والفلاحين وهذه الكوتا وضعت حين كان حزب البعث هو الحزب القائد ورغم أن المادة الثامنة من دستور عام 1973 قد ألغيت في دستور عام 2012، إلا أن كوتا العمال والفلاحين لم تلغ، وكان من المفروض أن يكون هناك كوتا لمشاركة النساء 30% وصولاً إلى المناصفة في كل العمليات الانتخابية  لضمان وصول النساء إلى مراكز صنع القرار ولكسر هذا الإرث الذكوري، وهذا ما طالبت به النساء في كل مناطق سوريا في ورقتهن السياساتية، والتي أكدن بها أن من حق النساء المشاركة في صنع القرار حتى لو لم يكن يمتلكن في الفترة الأولى المؤهلات اللازمة ولكن وجودهن في هذه المراكز سيعطيهن الخبرة اللازمة وسيكسر هذا القيد الوهمي ويشجع نساء كثيرات مستقبلاً على خوض غمار الانتخابات، وأشرن إلى أن العديد من أعضاء مجلس الشعب السابقين والحاليين لم يمتلكوا كفاءات كبيرة ولكنهم وصلوا إلى قبة البرلمان لكونهم شخصيات معروفة، وأكدن على أن النساء النسويات سيكون لديهن الحساسية اللازمة لتلمس ومعالجة مشاكل وقضايا النساء في كل مفاصل الحياة.  

وهذه الكوتا يجب أن تلتزم بها الأحزاب في قوائم مرشحيها وأن تكون هذه القوائم بالتناوب رجل – امرأة 

نص قانون الانتخابات التونسي رقم /16/ لعام 2014 في (المادة 24) على: “تقدم الترشحات على أساس مبدأ التناصف بين النساء والرجال وقاعدة التناوب بينهم داخل القائمة ولا تقبل القائمة التي لا تحترم هذا المبدأ إلا في حدود ما يحتّمه العدد الفردي للمقاعد المخصصة لبعض الدوائر.” وتضيف (المادة 25) من القانون نفسه: “يتعين على كل قائمة مترشحة في دائرة يساوي عدد المقاعد فيها أو يفوق أربعة أن تضم من بين الأربعة الأوائل فيها مرشحًا أو مترشحة […] وفي حال عدم احترام هذا الشرط تُحرم القائمة من نصف القيمة الجُملية لمنحة التمويل العمومي.

كما ناقشت النساء موضوعًا مهمًا آخر هو انتخابات رئاسة الجمهورية حيث تم التنويه من قبل ميسرات الحركة إلى أن القانون الانتخابي رقم /5/ لعام 2014 نص من ضمن شروط الترشح لرئيس الجمهورية أن يكون متمتعاً بالجنسية العربية السورية بالولادة من أبوين متمتعين بالجنسية العربية السورية بالولادة، وألا يكون متزوجاً من غير سورية، وأن يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية مدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح.

وحيث أن هذه الشروط تمنع الكردي والمسيحي والمرأة والمقيم خارج القطر بسبب اللجوء من الترشح، طالبت النساء بانتخابات تعتمد على أسس المواطنة بحيث يحق لكل سوري/ة بغض النظر عن جنسه/ا أو دينه/ا أو قوميته/ا أن ي/تترشح لرئاسة الجمهورية. وأن يتاح لكل سوري/ة مهما كان مكان إقامته/ا المشاركة في انتخاب رئيس الجمهورية وتذليل المعوقات التي تحول دون ذلك قبل البدء بالانتخابات، مثل وضع سجل انتخابي الكتروني وتقديم التسهيلات للنازحين/ات في المخيمات، واللاجئين/ات في الدول المجاورة للإدلاء بأصواتهم/ن. 

كما تمت مناقشة أهمية مراقبة العملية الانتخابية من قبل جهات محايدة وضرورة تدخل المجتمع المدني والمنظمات النسوية في مراقبة هذه العملية بدءًا من الإعلان عن الانتخابات إلى يوم ظهور النتائج والطعون. وأشرن إلى أهمية أن تكون هناك مراقبة دولية في المرحلة الأولى من الانتقال السياسي لتكون هناك انتخابات ديمقراطية وشفافة.

كثيرة هي المواضيع التي تنضوي تحت كلمة انتخابات، ومتنوعة هي القضايا التي تمت مناقشتها مع النساء والتي يجب الإضاءة عليها وحلها تمهيدًا لمرحلة مقبلة نكون بها عنصرًا فاعلاً ومؤثرًا، حيث لا يمكن أن يكون هناك انتخابات حقيقية دون مشاركة النساء.

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية