مؤسسة أممية تعنى بالمغيبات/ين والمختفيات/ين قسراً

 

*بسام سفر   

    

منذ إنشاء خارطة “ميثاق الحقيقة والعدالة” في شهر شباط من العام 2021؛ وتوسعه ليشمل عشرة من روابط أسر الضحايا السورية في العام 2022، سعت لإطلاق حملة ضغط من أجل إنشاء آلية دولية مستقلة وشاملة تعني بقضية المفقودات/ين، والمغيبات/ين قسراً. 

عملت لجنة المعتقلات/ين والمفقودات/ين في هيئة المفاوضات على عقد جلسة في مجلس الأمن الدولي بصيغة آريا لدعم إنشاء الآلية الخاصة للمفقودات/ين والمختفيات/ين، وشكلت الهيئة وفدًا من المجتمع المدني بمشاركة السيدة مريم الحلاق ممثلة رابطة عائلات قيصر، وعن ملف المحاسبة وعمليات التقاضي تحت بند الولاية القضائية العالمية الوطنية السيدة جمانة سيف، وعن المجلس السوري البريطاني السيد هيثم الحموي.

لجوء “ميثاق الحقيقة والعدالة” إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة (بعد عدة جلسات في مجلس الأمن للضغط من أجل تبني مشروع قرار)، لكنها فشلت بسبب الفيتو الروسي الذي استخدم (16) مرة ضد أي قرار يأخذه المجلس ضد النظام السوري، بالتعاون والتنسيق مع الفيتو الصيني، وتعطيل أية إدانة من قبل مجلس الأمن للنظام السوري. هو ما جعل “ميثاق الحقيقة والعدالة” يذهب نحو الجمعية العامة للأمم المتحدة بمساندة الدول العشر رغم المعرفة أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزمة، ولا تستطيع الدول التي اتخذت القرار أن تلزم النظام السوري بالتعاون في تنفيذ القرار. 

لكن رغم هذه الوضعية الشائكة والمعقدة يتقدم المجتمع الدولي ممثلاً بالأمانة العامة للأمم المتحدة خطوة باتجاه إيجاد هيكلية أممية خاصة لإنجاز ما هو مطلوب في ملف المغيبات/ين والمختفيات/ين قسراً. ويبقى التقدم بالقرار بعد إقراره من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتشكيل آلية مستقلة للكشف عن مصير المغيبات/ين والمختفيات/ين قسراً أفضل بكثير من عدم وجود قرار، سواءً في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو في مجلس الأمن.

وقد يعتبر الكثيرون/ات؛ ومنهم النظام السوري وحلفائه المعترضين على القرار، أنه لا قيمة إلزامية وفعلية للقرار، لكن في الواقع العملي أن للقرار قيمة كبيرة إذ أن هذا القرار دفع الأمم المتحدة إلى إنشاء هيئة مستقلة تتكون العاملات/ون والفاعلات/ون بها من العاملات/ين في الأمم المتحدة الذين يصبحون جزءًا من هذه الآلية الدولية للكشف عن مصير المغيبات/ين والمختفيات/ين قسراً. وستكون مشاركتهم أساسية في التخطيط والتنفيذ والمراقبة وألا يقتصر دورهم على فعل استشاري، ومشاركة النساء القياديات في هذه القضية بنسبة لا تقل عن ثلاثين بالمئة وصولاً للمناصفة.

وعن أهمية القرار الأممي سألت الناشطة في “ميثاق الحقيقة والعدالة” فدوى محمود، فقالت: “إن قرار الآلية المستقلة ينتصر للمغيبات/ين والمختفيات/ين، الآن وفي المستقبل، حتى لو لم نستطيع تفعيله جدلاً، فإن أي تغير في الحكم سيكون لهذا القرار دوراً كبيراً في الكشف عن المغيبات/ين والمختفيات/ين قسراً”.

وأكدت فدوى: “أن هذا أول قرار من الأمم المتحدة عملنا عليه في الروابط، كنا في البداية خمس روابط، لذلك اعتبره إنجازاً مهماً، لا يوجد لدي خوف من عدم عمل المؤسسة لأنها تابعة للأمم المتحدة والدول لمعرفة مصير الكل، فكل خطوة بعيداً عن القرار النظري تكون متابعة من الروابط، والآن نحن في الروابط على تواصل مع الأمم المتحدة لمتابعة كيفية إنشاء البرامج، هل سيكون شكل المؤسسة هرمي؟!، فالتنسيق كان قبل إصدار القرار، واليوم ما زال مستمراً”.

وأوضحت فدوى: “منذ يومين كنت في اجتماع مع المفوضية لنقاش من هي الشخصية التي ستشغل موقع رئيس/ة المؤسسة، ويجب أن تكون لديه/ا القدرة على الحوارات والمفاوضات مع النظام، وغيره في المناطق السورية، فهذه الشخصية يجب أن تتمتع بمكانة مرموقة، لذلك كان الحوار مع الأمين العام بالتشاور مع الدول، وأرسلنا رسالة للأمين العام بذلك، واللقاء معه كان إيجابياً عبر تطبيق الزوم، ومن جانب آخر، وجودنا كأهالي ضمن المؤسسة محفوظ في بند من بنود القرار”. وتساءلت فدوى عن عدم وضوح الهيكلية حتى الآن؟! وعدم وضوح دور الأهالي، من أجل دعم هذه المؤسسة لتلعب دوراً محفزاً.

وعن توقعاتها كأم وزوجة، قالت: “لم أرفع سقف التوقعات، نحن لدينا تحديات كبيرة، ولست متفائلة، ولا أتوقع معرفة شيء عن ماهر وعبد العزيز الخير، لكن رغم ذلك تعتبر الهيئة المستقلة انتصارًا مهمًا جدًا. وأثناء تواجدي في الأمم المتحدة في نيويورك قمنا بفعالية مهمة جداً حول الآلية المستقلة”.

وبينت فدوى أن خذلان الدول العربية للشعب السوري بعدم التصويت على القرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوضح أن الأنظمة العربية ليست أفضل حالاً من النظام السوري، وقالت: “نحن تواصلنا مع هذه الدول، ولم تستجيب سوى الكويت وقطر، وكان موقفهم واضحاً منذ البداية”.  

إن نص القرار؛ وعبر الجمعية العامة للأمم المتحدة يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أن يقوم “بوضع اختصاصات الهيئة المستقلة في غضون 80 يومًأ من اتخاذ القرار، وذلك بدعم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وبالتشاور مع جميع الجهات الفاعلة المعنية، بما يشمل مشاركة الضحايا والناجيات/ين والأسر مشاركة كاملة ومجدية. ويطلب القرار من جميع الدول وجميع أطراف النزاع في سوريا التعاون الكامل مع الهيئة المستقلة والجهات الفاعلة الأخرى المعنية بالتعاون مع الهيئة الجديدة.

وستمول الهيئة عبر الميزانية العادية للأمم المتحدة، ما يضمن استمراريتها. ومن المتوقع أن تصل تبعات الميزانية إلى ثلاثة ملايين دولار للعام 2024، وأكثر من 10 إلى 20 مليون دولار للعام 2025، وهذه الأرقام حسب التقديرات الأولية للأمانة العامة لجمعية الأمم المتحدة.

كان قد صوت في اجتماع الجمعية العمومية مع القرار الذي صاغته لوكسمبورغ (83) دولة لصالح القرار، و(11) دولة ضده، فيما امتنعت (62) دولة عن التصويت من أصل 193 دولة في الجمعية العامة، بينها كثير من الدول العربية لم تؤيد القرار سوى الكويت وقطر.

بينما اعتبر ممثل النظام السوري في الأمم المتحدة بسام صباغ أن “القرار مسيس وتدخلاً في الشأن الداخلي السوري”.

وعن فعالية القرار وإنشاء المؤسسة سألت الناشطة السياسية التي تعنى بملف المعتقلات/ين في هيئة المفاوضات السورية أليس مفرج، فقالت: نتشارك العمل مع الأمم المتحدة لحضها ودعمها بدورها بالصلاحيات المفوضة لها، لاسيما لجهة التوصيات التي وردت في تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا بمناسبة مرور أكثر من عقد على الاختفاء القسري، والذي لخص الانتهاكات في سجون النظام وجميع أطراف النزاع.

وأكدت أن القرار جاء نتيجة جهود المجتمع المدني وروابط الضحايا وتحديداً “ميثاق العدالة والحقيقة”، لتشكيل آلية مستقلة خاصة تتمتع بولاية دولية، تحقيقاً للهدف الذي وضعته الجمعية العامة للأمم المتحدة بعملية تنسيق وتوحيد الجهود العاملة بقضية المفقودات/ين، بمن فيهم الذين تعرضوا للاختفاء القسري.  

وأضافت مفرج: “إن عطالة مجلس الأمن الدولي المقيد بالفيتو الروسي دفعنا ثمنه دماً وتشريداً، وبسبب استعصاء الوصول لتوافقات تتعلق بمفاصل القضية السورية؛ لذا طالبنا بدعم تشكيل الآلية المستقلة بمرجعية قانونية للمعاهدات والمواثيق والقواعد الدولية ذات الصلة، وذلك بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث لدينا سابقة بالاستناد القانوني حين تم تشكيل الآلية الدولية المستقلة المحايدة”.

وأوضحت مفرج أن غاية الآلية تنحصر في الوصول لمعرفة الحقيقة من خلال تنسيق العمل مع جميع الاختصاصات الضرورية لتوثيق جميع المطالبات المتعلقة بالمفقودات/ين والمخفيات/ين، ويشمل ذلك الكشف عن مصيرهن/م، وتفاصيل اختفائهن/م من خلال عمليات التحقيق والوصول لأماكن الاحتجاز السرية والعلنية، ووقف التعذيب الممنهج والإفراج الكامل عن المعتقلات/ين وتسليم رفات من قضوا تحت التعذيب لذويهن/م.

فشكل التصويت الذي جرى، وعدم المشاركة العربية فيه، يوضح أن دول “المبادرة العربية” وقفت على الحياد، بينما هي في الواقع العملي اختارت الوقوف إلى جانب النظام السوري، مبتعدة عن أي قيم إنسانية أخلاقية في صالح المغيبات/ين والمختفيات/ين قسراً على يد أدوات النظام، وغيره من الفصائل المسلحة، رغم أن العديد من الدول العربية، ومنها لبنان لعقود طويلة طالبت بالكشف عن مصير المغيبات/ين والمختفيات/ين قسراً اللبنانيات/ين على يد أجهزة النظام السوري عندما كان المتحكم رقم واحد في الشأن اللبناني.

 وهنا تظهر السياسة الدبلوماسية اللبنانية؛ بصفتها الأولى مصالح حكومية حزبية وطبقية بعيدة عن مصالح الفئات الشعبية اللبنانية. ورغم ذلك تقوم الحكومة اللبنانية بإعادة اللاجئات/ين السوريات/ين إلى مناطق سيطرة النظام من بوابة الدعوة للتخلص من العبء المادي الذي يقع على عبء هذه الحكومة.

إن عدم التفات أصحاب المبادرة العربية إلى آلام المغيبات/ين والمختفيات/ين قسراً وأسر الضحايا واللاجئات/ين السوريات/ين في دول الشتات السوري القريب والبعيد يفتح إمكانية عدم الاهتمام بمصالح هذه الدول في المستقبل رغم الوضعية المدمرة التي وصلت إليها الحالة السورية باستمرارية النظام الديكتاتوري الاستبدادي. 

وإن تعامل دول المبادرة العربية مع هذا الملف الإنساني الحقوقي من بوابة المصلحية السياسية، وليس من البوابة الإنسانية والأخلاقية والحقوقية، يبين مدى المصلحة السياسية والمادية لهذه الدول على حساب المبادئ التي كانت تدعي تمثيلها في الوقوف إلى جانب الشعب السوري المضطهد والمفجوع بالموقف العربي والإقليمي والدولي بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الثورة السورية في آذار 2011. فالقضايا الإنسانية والحقوقية تحتاج إلى قدرة عالية على التمسك بما هو إنساني وحقوقي من حيث المبدأ على سياسة هيمنة المصالح الدبلوماسية لكل نظام في الإقليم.

وعن أثر القرار على أهالي الضحايا سألت الدكتور عمار برازي من أهالي الضحايا، فقال: “أولاً إنشاء مؤسسة مستقلة تابعة لهيئة الأمم المتحدة يعني أن هناك اهتمام دولي، فهذا يعطي حالة معنوية جيدة بالنسبة للأهالي كثيراً، إذ يعزز الحالة المعنوية، وأن العذابات أثمرت مؤسسة أممية مستقلة، هذا شيء جيد بالنسبة لي بالمعنى الشخصي، لي أخ مفقود (عادل برازي)، وابن أختي (مهيار كورديلو)، وزوج أختي (زكي كورديلو)، وصديقهم (إسماعيل حمودة). بذلنا جهداً كبيراً للحصول على خبر عنهم، وتعرضنا إلى ابتزاز كبير من أجل ذلك، ولم نحصل على شي؟! المشكلة ليس لدينا دليل أنهم على قيد الحياة، وهذا مؤلم جداً لنا كعائلة وأسرة، فالمعرفة هي أساس يمكن أن نبني على معرفة مصيرهم، وإذا كانت هذه المؤسسة الجديدة قادرة على الكشف عن مصيرهم، فذلك أمر جيد. وهناك الكثير من القرارات الأساسية في الحياة متوقفة على معرفة إذ ما كانوا أحياء أو رحلوا إلى العالم الآخر.”

وأضاف الدكتور عمار برازي: “الآن وبعد جهود مدنية وأهلية استطاعت هذه الجهود أن تثمر عن مؤسسة أممية، أتمنى أن لا تسيس قضية المغيبات/ين، والمختفيات/ين قسراً من الدول الكبرى، أنا من مصلحتي كفرد أن أصل إلى معلومة دقيقة وحقيقية بغض النظر عن ماهية هذه المعلومة. فالجهود الدولية لا تتناسب مع تضحيات الشعب السوري خصيصاً ما ظهر منذ يومين من (الفيتو الروسي، حق النقد) لمنع إدخال المساعدات لمناطق شمال غرب سوريا. وبالنهاية هناك بارقة أمل، أكيد أفضل من أن لا يكون هناك مثل هذا القرار، والمبدأ الذي يراه أهالي المغيبات/ين، والمختفيات/ين قسراً (الغريق يتعلق بقشة)”.  

إن ما عجزت عنه الحالة السورية في تقديم حالة حقوقية إنسانية؛ تقوم على تقديم كل ما هو إنساني وحقوقي على ما هو سياسي ومصلحي لمصلحة النظام القائم واستمرار انتهاك حقوق الإنسان السوري، خصيصاً المغيبات/ين والمختفيات/ين قسراً، بعيداً عما جاء في الدستور السوري، والعمل الحقوقي الإنساني الذي يسعى إلى استقلال القضاء وإصلاح القطاع القضائي الذي سيعمل على تحقيق العدالة الانتقالية ليمنح السوريات/ين فرصة جديدة للعيش المشترك بعيداً عن نيران الحرب القائمة على سوريا وأرضها.

إن القرار الأممي الجديد بإنشاء آلية مستقلة للكشف عن مصير المغيبات/ين والمختفيات/ين قسراً هو خطوة أممية جديدة نحو تحقيق نوعي من العدالة في المرحلة الانتقالية، بالتعاون مع “ميثاق الحقيقة والعدالة” وغيرها من المنظمات الحقوقية والمدنية السورية، بحيث يتيح نوع من المشاركة الأممية مع القضاء الوطني السوري في المستقبل من أجل عدالة حقوقية وإنسانية عبر محكمة خاصة (أممية، سورية) قابلة للحياة من أجل تحقيق عدالة إنسانية حقوقية تنصف المغيبات/ين والمختفيات/ين. ولعل ذلك يكون قادراً على بث روح العدالة الإنسانية في القضاء السوري بعدما تغلغل الفساد فيه لسنوات طويلة.

 فهل تستطيع القوى السياسية والمنظمات المدنية السورية في المناطق خارج سيطرة النظام تحقيق تقدم ملموس نحو تحقيق العدالة الحقوقية الإنسانية المتعارف والمعترف بها من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على صعيد أممي خارج الفساد القضائي السوري عبر محكمة دولية خاصة بعيداً عن مرحلة الدكتاتورية السورية غير المتزنة من زاوية إحقاق الحق والحقوق؟.

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية