معاناة عائلات المفقودات والمفقودين في سوريا

*أمل النعسان

محامية سورية وناشطة في مجال حقوق الإنسان، عضوة الحركة السياسية النسوية السورية، ورئيسة مجلس إدارة مركز أمل للمناصرة والتعافي في جنوب تركيا ولاية هاتاي، وهي منظمة مجتمع مدني مرخصة في تركيا. يقوم مركز أمل للمناصرة والتعافي بتقديم خدمات منها الدعم القانوني والاجتماعي والنفسي، ويعمل على بناء القدرات  للنساء والأطفال المتضررات/ين من ويلات الحرب في سوريا، ومنهم عائلات المفقودات/ين والمختفيات/ين قسرياً والمعتقلات/ين، والنساء المعنفات سواءً من داخل الأسرة أو خارجها عبر الخدمات التي يقدمها المركز من رفع الوعي القانوني بحقوق العائلات وتدريب العائلات على تقديم البلاغات عن الفقد والاختفاء والقتل خارج نطاق القانون إلى المنظمات الدولية ووفقاً للمعايير الدولية، وأيضاً يعمل على مناصرة قضايا عائلات المفقودات/ين والمختفيات/ين قسرياً والمعتقلات/ين، حيث قمنا بعدة حملات مناصرة بقيادة نسائية من عائلات المفقودات/ين، المركز لديه قاعدة بيانات لعائلات المفقودات/ين المستفيدين من أنشطة المركز، ولدينا مكتب خاص لعائلات المفقودات/ين تمثله مجموعة من النساء اللواتي تم انتخابهن من قبل العائلات لتمثيلهن أمام الجهات المعينة ووسائل الإعلام.  

عانت المرأة السورية منذ عام 2011 وحتى اليوم من ألم الفقد والاعتقال والتهجير والقتل، وظلت المرأة السورية تناضل في سبيل الوصول إلى العدالة وكشف الحقيقية ومعرفة مصير أحبائها الذين اختفوا قسرياً أو فقدوا أو قتلوا تحت التعذيب، دون أن يحق لها استلام جثمان أحبتها لتدفنهم بشكل لائق، بحيث تحفظ لهم الكرامة الإنسانية التي نصت عليها شريعة حقوق الإنسان.

فعائلات المفقودات/ين، ولاسيما المرأة، عانت أشد الألم لفقد الأحبة دون معرفة مصيرهم سواء أكانوا أحياءً أو أمواتاً، حيث بلغ عدد المختفين قسرياً /98279/ على يد الأطراف الفاعلة في سوريا من آذار2011 وحتى آب 2019 وفقاً لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

حيث يعّرف المفقود بأنه “شخص يجهل مكان وجوده وقد يكون الشخص المفقود حياً أو ميتاً”.

فكثير من النساء السوريات من عائلات المفقودات/ين حاولن البحث والتقصي بكل الطرق القانونية وغير القانونية سواء بمراجعة المراكز الأمنية أو أماكن الاحتجاز أو السجون أو التواصل مع كبار المسؤولين، حتى أن بعض العائلات دفعن مبالغ كبيرة للضباط والسماسرة بهدف الحصول على المعلومات فقط  لدى الجهات الفاعلة التي ارتكبت جرائم الإخفاء القسري ضد السوريات/ين سواء من طرف النظام السوري أو من الأطراف الأخرى، مثل داعش والفصائل الإسلامية المتشددة والفصائل الكردية الانفصالية، هذا وقد تواصلت العديد من العائلات مع المنظمات الحقوقية (المحلية منها والدولية) التي تعنى وتقوم بتوثيق حالات الاختفاء القسري أو الفقد، كاللجنة الدولية لشؤون المفقودين (International Commission on Missing Persons – ICMP) حيث كان يتم تقديم البلاغات لها عن طريق ممثليها والمنظمات المحلية الشريكة لها.

حيث قدمت هذه اللجنة عدة منح صغيرة جداً لمركز أمل للمناصرة والتعافي، تمكن المركز من خلالها بالقيام بعدة أنشطة قانونية تمثلت بــعدة محاضرات قانونية لرفع الوعي (التعريف عن أعمال اللجنة السابقة، محاضرات في أهمية التوثيق وكيفية التقديم ببلاغ رسمي، الحقوق القانونية لعائلات المفقودات/ين) كما تم تنفيذ عدة حملات مناصرة لعائلات المفقودات/ين في المكتب بالإضافة إلى تقديم بلاغات للفريق العامل للاختفاء القسري بالتعاون مع المنظمات المحلية يذكر منها “حماة حقوق الإنسان”، “مؤسسة الكرامة”، “منظمة بيتا لحقوق الإنسان”.

عانت العائلات ظروف نفسية واقتصادية واجتماعية وقانونية صعبة نتيجة فقد الأحبة واختفائهم على أيدي الجهات الفاعلة في سوريا من عام 2011 وإلى تاريخه حيث لا تزال تلك الجهات الفاعلة تمارس جرائم الإخفاء القسري بحق السوريات/ين.

ونتيجة لتلك الجرائم لم تستطع العائلات القيام بأي إجراء قانوني لمواجهة مصاعب الحياة أو التصرف بالأملاك والأموال من بيع أو رهن أو إيجار أو قبض التعويضات المادية أو المستحقات الوظيفية للمفقود وذلك لعدم معرفة مصيره إن كان حياً أو ميتاً.

أما عن معاناة النساء المتزوجات فكانت الزوجة لا تستطيع إنهاء العلاقة الزوجية نتيجة الفقد في حال كانت في مناطق المعارضة أو بلاد اللجوء، بسبب فقدانها للوثائق القانونية وعدم وجود محاكم تعطي أحكام نافذة لقراراتها نتيجة الحرب حيث أن الملكيات والحقوق القانونية العائدة للمفقود عُطلت. ومن أشكال المعاناة أيضاً، والتي لابدّ من ذكرها، هي حالة الانتظار وأمل اللقاء بالأحبّة أ معرفة مصيرهم سواء كانوا أحياءً أو أمواتاً، حيث شكلّت الصور المسربة من داخل مراكز الاحتجاز للنظام السوري “صور قيصر” صدمة للعديد من عائلات ذوي المفقودين وأكدت ما يعانيه المعتقل من تعذيب شديد وسوء في الأوضاع الصحية والطبية وسوء التغذية والتهوية واستخدام شتى أدوات التعذيب؛ وأيضاً العنف الجنسي الممارس على المعتقل المختفي قسراً.

كما ساهمت جائحة الكوروناCovid-19 في الوقت الحالي من ازدياد تخوف الأهالي من قيام النظام السوري الذي ارتكب العدد الأكبر من الانتهاكات بتصفية معارضيه في مراكز الاحتجاز بذريعة تفشي هذا الوباء، حيث أنّ النظام السوري لا يعطي ولا يصرّح بأي معلومات حول أعداد المصابين بشكل دقيق؛ علماً أن ما يصل للعائلات من داخل سوريا من أخبار بأن هناك أعداد من المعتقلين قد توفيت نتيجة الكورونا.

هذه المعاناة المضاعفة أكدت عليها إحدى الأمهات، في أثناء جلسات رفع الوعي، وأيدتها الحاضرات حيث قالت أم المفقود: ((أم الشهيد بتنام، وأم المفقود لا تنام)).

هذا وقد سبق للنظام السوري بأن ارتكب آلاف من عمليات الاخفاء القسري، والقتل خارج نطاق القانون، ولم يعط أي معلومات لأهالي المفقودات/ين، واكتفى بتسجيل الوفيات في سجلات الأحوال المدنية وتسليم شهادات الوفاة للبعض منهم فقط؛ دون تسليم الجثمان رغم المطالبة بها؛ حيث كان يتم تهديد الأهل بالاعتقال والملاحقة وأن مصيرهم سيكون كمصير المفقود، مما يدفع الأهالي إلى استلام شهادة الوفاة بقلق لعدم استلام الجثة، أما البعض منهم فقد رفض استلام شهادة الوفاة لعدم قناعتهم بمصداقية المعلومات التي يقدمها النظام.

كما يذكر بأن هناك عدد من الأهالي قد توفوا قبل رؤية ومعرفة مصير أحبائهم، مما يزيد الألم لباقي أفراد العائلة، وحتى أن بعض عائلات المفقودات/ين نتيجة صدمة الفقد والاختفاء أصيبوا بالأمراض المزمنة، كالشلل والجلطات من أثر الحزن الشديد لفقد الأحبة.

نصت المادة الأولى الفقرة الثانية من اتفاقية إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري: “إن عمل الاختفاء القسري يحرم الشخص الذي يتعرض له من حماية القانون، وينزل به وبأسرته عذاباً شديداً. وهو ينتهك قواعد القانون الدولي التي تكفل، ضمن جملة أمور، حق الشخص في الاعتراف به كشخص في نظر القانون، وحقه في الحرية والأمن، وحقه في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة. كما ينتهك الحق في الحياة أو يشكل تهديداً خطيراً له”.

ومن المؤكد بأن النظام السوري ارتكب كل هذه الانتهاكات التي نصت عليها الاتفاقية، وقانون حقوق الإنسان، وكل الأعراف الدولية.

*المقال يعبر عن رأي الكاتبة ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة