من أجل تغطية إعلامية متوازنة – زلزال تركيا وسوريا

 

*كبرياء الساعور

 

يحاول هذا المقال الحديث عن تغطية إعلامية متوازنة حساسة للنوع الاجتماعي، والالتزام بأخلاقيات الصحافة في النشر، ومعايير التعامل مع الأطفال في التغطية الصحفية التي واكبت الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا. 

 

ماذا نقصد بالتغطية الصحفية الحساسة للنوع الاجتماعي/الجندر؟

التغطية الإعلامية الحساسة للجندر هي “تلك التي تستند إلى معايير مختلفة من شأنها إنتاج محتوى منصف ومراع لخصوصية النساء، وتتطلب تلك التغطية بالدرجة الأولى إلماماً ووعياً حول قضايا النساء والمفاهيم الأساسية المرتبطة بالموضوع، بالإضافة إلى العدالة في العرض والمصادر المعتمدة في المادة الإعلامية”.

لذلك تعمل الصحافة النسوية على خلق فضاءات للتعبير عن الرأي بإتاحة الفرصة للنساء من مختلف الفئات المجتمعية للحديث عن مشاكلهن والقضايا والأوضاع التي يعانين منها وإبراز مشاركتهن في الشأن العام وقضايا مجتمعاتهن، والسعي الهادف لبناء وعي بحقوق المرأة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والعمل على تغيير الصورة النمطية للمرأة والتي كرست في التعليم والثقافة والإعلام.

لذلك يتم التركيز في التغطيات الإعلامية على تنوع المصادر ونسبة حضور وتمثيل النساء، واعتماد لغة موضوعية وجندرية، ومحاربة تكريس الأدوار التقليدية والصور النمطية.

 

لماذا نحن بحاجة لتغطية صحفية حساسة للجندر؟

إن ابتعاد التغطية الإعلامية عن مراعاة البعد الجندري في القصص والأخبار ومختلف أشكال التغطية الإعلامية، لا سيما في أوقات الكوارث، يعني المخاطرة في إهمال وتهميش قطاعات واسعة من المجتمع، وبالتالي إهمال احتياجاتها الفعلية، مما يؤثر على عملية اتخاذ القرار أثناء الاستجابة الإنسانية والتعتيم على أوضاع النساء في الكارثة الناتجة عن الزلزال.

غالباً ما تؤدي الكوارث إلى تأثيرات أكبر على النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة، مما يعني احتمال تزايد الاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

“ولادي حضروا صواريخ السكود على الرقة، واليوم عم يحضروا كارثة الزلزال. ابني صار يعرف يميز بين الهزات ويقلي هي 4 ريختر وهي 5 ريختر. يا لله شو بدو يصير بنفسية ولادنا.” هذا ما أخبرتني به السيدة (ر) وهي لاجئة سورية في مدينة غازي عنتاب، تقضي أغلب الليالي مع أولادها في الجامع الذي استقبل عائلات أغلبها نساء وأطفال سوريين وأتراك ضمن أماكن الإيواء الجماعي التي فتحت أبوابها مع المراكز التابعة للبلدية للهاربين من الزلزال.

 تعيش النساء قلق مضاعف على عائلاتهن وفي أوضاع نفسية قاسية، وتتزايد الأعباء على كاهلهن، لأن على النساء رعاية العائلة والأطفال والكبار في السن، لذا تدفع النساء أثماناً مضاعفة في المجتمعات الأبوية القائمة على التمييز في أوقات الأزمات.

في الوقت الذي يحتاج فيه الناس خلال الكوارث إلى حاجات ملحة، مثل الغذاء والماء والرعاية الصحية، تحتاج النساء بالتحديد إلى احتياجات خاصة، مثل المرافق الصحية والحمامات المنفصلة، كما تحتاج النساء والفتيات إلى ضمان قدرتهن للوصول إلى مستلزمات النظافة، بما في ذلك في فترة الحيض، والنساء الحوامل يحتجن إلى رعاية صحية وولادات آمنة. لقد بين صندوق الأمم المتحدة للسكان أن ضمان الاحتياجات الصحية للنساء والفتيات المتضررات من الزلزال يمكن أن يسرع التعافي في الأزمات.

اشتكت النساء أثناء التواجد في مراكز الإيواء الجماعي في مدينة غازي عنتاب من عدم وجود حمامات منفصلة للنساء، أو مساحات آمنة للنساء فضلاً عن الخوف من الغرباء خاصة بالنسبة للاجئات السوريات بسبب حاجز اللغة.

كما أن النساء من ذوات الإعاقة وجدن صعوبة في محاولة الوصول لمكان آمن من ضربات الزلزال. السيدة (ج) لاجئة سورية في مدينة غازي عنتاب، تجاوزت الثمانين من عمرها تعاني من عجز جزئي يجعلها تحتاج لكرسي متحرك للتنقل، اضطرت العائلة للبقاء في الأدوار العلوية أثناء الزلزال الكبير نظراً لعدم تمكنهم من نقلها إلى مكان آمن، لا توجد وسائل لنقل ذوي الاحتياجات وحمايتهم.

كارثة الزلزال حملت معها مخاطر حياتية جديدة بالإضافة لفقدان المأوى. فهناك فئة من النساء السوريات اللواتي يقمن بأعمال يومية مؤقتة مثل تنظيف المنازل لتأمين قوت العائلة حُرمنَّ من العمل بسبب الزلزال. السيدة (س) عاملة منزلية توقف عملها بعد نزوح قسم كبير من العائلات خارج المدينة المنكوبة، وبالتالي حرمت من أي دخل مادي، علماً أنها تعيل ثلاثة أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. 

اللاجئات واللاجئين السوريات/ين في تركيا من الفئات الأكثر تهميشاً، لا سيما أن المناطق التي ضربها الزلزال في تركيا، وهي ولاية هاتاي وكهرمان مرعش وغازي عنتاب، من الولايات التي تشهد حضوراً كثيفاً للسوريين، وتشكل النساء والأطفال نسبة 45% من اللاجئين السوريين في تركيا.

 

كيف بدت صورة المرأة وحضور صوتها في التعبير عن وقائع الكارثة واحتياجات النساء؟

(في متابعة لبعض المنصات الإعلامية السورية المعروفة مثل تلفزيون سوريا، عنب بلدي وغيرها من أجل متابعة أحوال النساء في زلزال عابر للحدود السورية التركية).

من خلال جولة سريعة على المنصات الإعلامية السورية، لم أجد تغطية إعلامية تركز على أوضاع النساء عقب الزلزال، كان صوت الكارثة عالياً لكن لاحظت غياب التحقيقات أو التقارير الإعلامية التي تركز على أوضاع النساء اللاجئات. كانت أغلب الأخبار تركز على الكارثة بشكل عام، دون التطرق لمساهمات النساء من الناشطات والمتطوعات في عمليات الإغاثة، مثل الإيواء والطبابة والتوعية وحملات الدعم النفسي إلا في بعض الاستثناءات:

قد يرجع ضعف التغطية الإعلامية الحساسة للنوع الاجتماعي في تلك المنصات بسبب تجاهل المعايير الجندرية في المؤسسات الإعلامية السورية، حتى تلك المنصات الإعلامية التي تتمتع بقدرات وبدعم مالي جيد، بالإضافة إلى النقص في أعداد الصحفيات والمحررات لا سيما في مواقع صنع القرار، وضعف نسبة تمثيل النساء في مهن التصوير والتحرير. على الرغم من التقدم المحرز للمرأة السورية في الإعلام وتنامي أعداد الصحفيات والإعلاميات لكن ما زالت الهيمنة للرجال في العمل الصحفي، وما زالت المنابر الإعلامية النسوية قليلة نظراً للسيطرة الذكورية.

 

أخلاقيات الصحافة والتعامل مع الأطفال في الكوارث

يتجدد الجدل في الأزمات عن المعايير المهنية في العمل الصحفي، لذلك على المؤسسات الإعلامية أن تعيد التذكير بضرورة الالتزام بأخلاقيات الصحافة والمهنية في تغطية الحروب والكوارث والتأكيد على احترام حقوق الإنسان عامة، وبشكل خاص على الالتزام بمعايير التعامل مع الأطفال التي حددتها المنظمة الأممية للطفولة اليونيسف.

“بحسب إرشادات اليونيسف لعام 2016 فإن الغاية الفضلى في التغطية الصحفية لقضايا الأطفال هي حماية مصالحهم ومناصرة حقوقهم.”، كما أن نشر صور الأطفال والمقابلات معهم ينبغي أن يتم وفق معايير تحترم كرامتهم وتحقق مصالحهم ولا تعرضهم للخطر. في حالة زلزال تركيا وسوريا ينبغي أن يكون الهدف لفت انتباه الرأي العام حول معاناة الأطفال من هول الكارثة، من أجل دعمهم ومساندتهم دون تعريضهم للخطر أو انتهاك كرامتهم، والتحقق من إخفاء صور الأطفال والضحايا الظاهرة في الصور.

ظهرت مناشدات بعد زلزال جنوب تركيا وسوريا، لم نستطع التأكد منها عن التوقف عن نشر صور الأطفال الناجين والمنفصلين عن ذويهم من الذين تم إسعافهم للمشافي لاحتمال تعرضهم لمخاطر الخطف.

 بإمكان كل شخص التقاط الصور وتحميلها، لذا تشهد مواقع التواصل الاجتماعي فيض من الصور والفيديوهات، التي لا تخضع لتقييد وضبط المحتوى، تنشر صور الأطفال دون موافقة الأهل وتنشر صور الضحايا دون التفكير في احترام حرمة وكرامة الضحايا بهدف السبق الصحفي أو جذب المشاهدات.

على سبيل المثال في مقال على موقع رصيف 22 “من أعطاك الحق في تصوير أطفالي وأنا ميت”؛ أشار المقال إلى مخالفة أخلاقيات مهنة الصحافة عند نقل أخبار الزلزال، حيث تناست مؤسسات إعلامية أو تجاهلت المعايير المهنية، وكانت أول من يتهافت على شراء صور الضحايا وترويجها على خلفية المواقع الإخبارية.

لذا من المهم لفت انتباه المؤسسات الإعلامية، ومراقبة المحتوى الذي يظهر على المنصات المختلفة، والتأكيد على الصحفيات/ين والمصورات/ين في توخي الحذر عند التعامل مع الأطفال لكي لا يتم تعريضهم للإساءة والخطر، وعدم تصوير الأشخاص دون موافقتهم واحترام حرمة الموت ومشاعر عائلات الضحايا.

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية