هل نصل يوماً ليكون، قلبي قلبك؟

*لينا وفائي

إثر وفاة ستة شباب سوريين في ألمانيا فجأة، شباب في عمر الورد في العقد الثالث من العمر فقط، وتناقل أخبار تفيد أن سبب الوفاة إصابات قلبية مفاجئة، وأنها قد تكون ناجمة عن الاكتئاب والوحدة،  قامت الناشطة دينا أبو الحسن بإنشاء مجموعة على الفيس بوك أسمتها “قلبي قلبك”.

تهدف المجموعة لأن تكون مساحة للبوح ومشاركة الهموم، مساحة للاسترخاء وكي لا يشعر شبابنا بالغربة والوحدة، تهدف للتعاطف مع من يعاني، وإخباره أنه ليس وحيداً، فهل حققت هذه المجموعة هدفها؟

بدأت المجموعة فعلاً كمساحة للفضفضة، فكانت هناك يومياً مئات البوستات التي تنشر وتتحدث عن معاناة أصحابها بأسمائهم الحقيقية، أو بأسماء مستعارة وربما بدون اسم، ولكن سرعان ما تنامت المجموعة بشكل كبير خلال أيام وأصبحت مؤلفة من آلاف العضوات والأعضاء، وبدأت
تظهر فيها انقسامات الشعب السوري، انقسامات متعددة، ما بين موالٍ ومعارضٍ، أو ربما عربي وكردي، داخل سوريا وخارجها، مؤمن وملحد، مثلي الجنس ورافض له، إلى كل ما يمكن أن يشكل خلافاً بيننا كسوريات/ين، فهل استطعنا إدارة هذا الخلاف؟

في الجلسات التشاورية التي تعمل عليها الحركة السياسية النسوية السورية، وجواباً على ما قد يجمع السوريات معاً، أغلب المشاركات أجبن أن
الألم يوحدنا، فالشعب السوري كله، بكل أطيافه، وفي كل أماكن تواجده، وبغض النظر عن
رأيه السياسي، عانى كثيراً بعد أن تحولت ثورتنا إلى حرب طاحنة أكلت الجميع. قد يختلف شكل المعاناة وحجمها، ولكنها معممة على الجميع، فمن النزوح والتهجير والقصف، إلى الموت في الحرب بغض النظر عن مدى الإيمان بما نفعله، فأغلبنا وجد نفسه وسط حرب يرفضها ولكنه لا يستطيع منها فكاكاً، ومن الاعتقال والتعذيب والموت في المعتقلات والخطف من أجل المال أو كرهينة مدنية تستخدم في الحرب، إلى الجوع والفقر ونقص كل ما يلزم من مقومات الحياة، فلا كهرباء ولا غاز ولا وسائل تدفئة. برأي تلك النسوة أن الإحساس المشترك بالألم، سيجعلنا نشعر بآلام الآخرين وهذا ما قد يخلق لغة مشتركة ومصلحة مشتركة بيننا تدفعنا للتخلص مما كان سبباً في آلامنا جميعاً.

عندما أُنشِئت مجموعة “قلبي قلبك” انضممت إليها فوراً، كنت أرى فيها تجسيداً للرأي الذي سمعته منهن، أن الألم يوحدنا، وهذه المجموعة تعنى
بالتخفيف من الألم عبر البوح والتعاطف، ولكن ما هي إلا أيام وأصبحت ساحة للخلاف والتنمر، فالمعارضة ترفض وجود حتى الرماديين، والمتدينون يريدون هداية الغير متدينين أو يرفضونهم ويهاجمونهم، والملحد يتنمر على المتدين ويسخر من دينه وإيمانه. العربي يرفض حلم الكردي، والكردي يصر على أن يحول المجموعة إلى ساحة لنضاله. من في الداخل يسخر من معاناة المغترب، فهو ينعم بالدفء، ولا يشعر بالجوع، يستطيع الاستحمام يومياً، بينما من في الداخل يشعر بالبرد والجوع ربما، وقد لا يستطع الاستحمام طوال ١٥ يوماً، من في الخارج يتعاطف مع مشكلة من في الداخل، ولكنه يرى أن مشاكله هو ذاته ليست قليلة، فهو بعيد عن أهله وأصحابه، يعاني التأقلم مع مجتمع غريب، يواجه مشكلة تعلم لغة جديدة وغالباً صعبة، يبحث عن فرص للعمل أو الدراسة في ظل مجتمع شديد التنافس وقاسٍ. المثليّات والمثليّون وجدوا في المجموعة ساحة لإعلان ذاتهن/م، ولكن قوبلن وا بالكثير من الرفض والسخرية والتنمر.

الثورات  تجمع الناس دوماً، فثورتنا في بدايتها جمعت كل من هن/م ضد نظام الأسد، وخرجت حينها للعلن شعارات تؤكد على وحدة الشعب السوري. ولكن الحرب تظهر دوماً انقسامات المجتمع، بل هي تزيد في انقسامه وتشظيه، فمن كن/كانوا أثناء الثورة متحدات/ين انقسمن/وا، وظهرت على السطح انقسامات عامودية في المجتمع السوري، لم يعد الانقسام فقط كما في الثورة حسب الموقف السياسي منها ومن حكم الأسد، بل أصبحت الانقسامات دينية وطائفية، قومية وإثنية، وانقسامات سياسية حسب الولاء الخارجي والموقف من الدول الداعمة، وربما تكون أيضاً مناطقية. 

ندرك طبعاً أن تجاوز هذه الانقسامات يحتاج إلى بيئة مناسبة، من إنهاء للحرب، ومحاسبة لمن أجرم، وجبر ضرر لمن تضرر، وندرك قطعاً أنه في ظل صوت القصف والطيران الذي يدوي الآن في إدلب وريفها وريف حلب الغربي، من الصعب أن تسمع دعوات لرأب الصدع، وتجاوز هذه الانقسامات، ولكن السؤال هل سنستطيع ذلك بعد أن تضع الحرب أوزارها؟

بحثاً عن جواب لسؤالي تابعت المجموعة لمدة أسبوع باهتمام، ما أستطيع قوله إنه رغم كل الانقسامات التي ظهرت فيها، وكل التنمر الذي قام به
البعض، ما زالت المجموعة مستمرة، بكثير من الصعوبات والألم، بتضييق أكبر على حرية القول ووضع ضوابط له، بحيث لا تتحول هذه الحرية لإساءة وتعدٍ على حرية الآخرين، ولكنها ما زالت تكبر ويزداد عدد عضواتها وأعضائها. مما يوحي برغبة السوريات/ين للتجمع، لسماع الآخر والتعاطف مع آلامه، للبوح ومشاركة آلامه مع سوريات/ين آخرين.

إن طريقنا طويلٌ لبناء مجتمع سوري صحي، يستند إلى دولة تقوم على مفهوم المواطنة، تقبل الاختلاف وسط بيئة قانونية صحيحة، تجعل ما يجمع السوريات والسوريين ليس فقط التعاطف، وإنما الحق بحياة مشتركة، تجمعهن/م مصلحة مشتركة في إدارة شؤون حياتهن/م. ولكن سعياً للوصول إلى ذلك، تبقى كل المحاولات للتجمع والتلاقي والبحث عن المشتركات خطوة مهمة على الطريق الصحيح، علنا نصل يوماً ليكون فعلاً قلبي قلبك.