هل يتأثر المشهد السوري بانتهاء خصوصية درعا؟

 

*آلاء المحمد

 

تعتبر محافظة درعا، التي انطلقت منها شرارة الثورة السورية في آذار 2011، حالة استثنائية تختلف عن غيرها من المحافظات، حيث كشفت حقيقة المراهنات على التسويات التي عُقدت في ظل اتفاقات ثلاثي أستانة (روسيا وإيران وتركيا)، المتعلقة بخطط المناطق الأربع منخفضة التصعيد، أو حتى تلك التسويات التي تعهدت بها روسيا أمام الولايات المتحدة والتي تسلمت من خلالها الملف السوري كاملاً.

بعد اندلاع الثورة السورية ومحاولة النظام السيطرة عليها واستخدام أساليب قمعية مختلفة لإخمادها من قتل واعتقال وقصف بمختلف الأسلحة وتهجير قسري وإجبار الناس على ترك منازلهم، كما استخدم السلاح الكيماوي في العديد من المحافظات، تشكلت على إثرها فصائل معارضة مسلحة لمقاومة النظام السوري والميليشيات التي تدعمه، وسيطرت على عدد كبير من المناطق السورية منها محافظة درعا.

في العام 2018 سيطرت قوات النظام السوري مدعومة بالطيران الحربي الروسي وميليشيات إيرانية على معاقل بارزة للمعارضة مثل حلب (شمالاً) والغوطة الشرقية (قرب دمشق)، وحاولت التقدم نحو درعا.

لكن الوضع في درعا لم يكن شبيه بباقي المحافظات السورية التي شهدت عمليات عسكرية وحصارات شديدة انتهت باتفاقيات تم بموجبها إجلاء سكان المناطق المحررة من مدنيات ومدنيين وعسكريين إلى شمال البلاد بالباصات الخضراء، بينما في درعا عقدت تسوية برعاية روسية وضعت حداً للعمليات العسكرية.

نصت التسوية على تسليم السلاح الثقيل مع إمكانية احتفاظ المقاتلين بأسلحة خفيفة والبقاء في قراهم ومدنهم، ولم تنتشر قوات النظام في كل أنحاء المحافظة.

 

درعا حالة خاصة

كانت خصوصية حالة درعا ناتجة عن كونها محاذية لدولة الأردن التي سعت إلى تجنيب أراضيها تداعيات النزاع، والجولان المحتل من إسرائيل التي تخشى انتشار المجموعات الإيرانية المقاتلة إلى جانب قوات النظام.

لكن محافظة درعا لم تهدأ منذ أن أبرم اتفاق التسوية، طغت الفوضى الأمنية وشهدت المنطقة العديد من التفجيرات وعمليات إطلاق النار ضد قوات النظام أو اغتيالات طالت موالين أو معارضين سابقين أو حتى مدنيين يعملون لدى مؤسسات حكومية، في وقت انتشر السلاح في كل مكان، إضافة لحالات الخطف حتى يومنا هذا.

خلال الثلاث سنوات الماضية خرجت في المحافظة تظاهرات عدة ضد النظام، منها احتجاجات في درعا البلد ضد الانتخابات الرئاسية التي جرت في أيار 2021، وطالب المتظاهرون/ات في شعاراتهم/ن التي رفعوها بإسقاط النظام، ورفضت لجنة درعا البلد وضع صناديق اقتراع في أحيائها.

اندلعت مواجهات تعدّ الأعنف منذ ثلاث سنوات في نهاية تموز 2021، ما أدى إلى انفجار الأوضاع في كامل المحافظة، حيث وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مصرع 32 شخصاً، بينهم 12 مدنياً و11 مقاتلاً محلياً وتسعة عناصر من قوات النظام، ومن ثم تجددت المفاوضات مع “اللجان المركزية” التي تمثل الأهالي، وانتهت المفاوضات إلى تسويات جديدة، شملت كامل محافظة درعا.

جاء في الاتفاق الجديد تسليم السلاح الفردي وتسوية أوضاع المطلوبين للنظام أمنيًّا وعودة المجندين المنشقين إلى وحداتهم العسكرية بغضون ستة أشهر وتهجير من يرفض؛ وترافق الشرطة العسكرية الروسية دخول قوات النظام لبلدات درعا المنتفضة.

فرض النظام على البلدات التي لم تسلم كامل السلاح الفردي مبالغ مالية كبدل تراوحت قيمتها ما بين 100 مليون إلى 200 مليون ليرة سورية. ويجدر بالذكر أن العديد من الحوادث الأمنية كالاغتيالات والمواجهات الأمنية في بعض البلدات ما زالت تجري حتى الآن.

عمل النظام السوري من أجل أن يعيد سيطرته على درعا، لاسيما بعدما ساهمت مظاهرات حوران الرافضة للانتخابات في اهتزاز صورة الانتخابات الرئاسية التي أرادها النظام رسالة مزدوجة كـ “استعادة الشرعية” وإعادة السيطرة على المجتمع عبر أدوات التحشيد السابقة من مسيرات وخيم ولاء واحتفالات جماهيرية.

إضافةً إلى أن النظام السوري استغل حالة الجمود في المشهد السياسي والعسكري لتعزيز أدوات السيطرة الأمنية على كامل مناطق سيطرة النظام على رأسها الجبهة الجنوبية، إذ اعتبر أن عودته الأمنية لدرعا ستخفف من حالة تنامي الرفض الشعبي له في السويداء، ومن أجل التحكم بالطرق البرية وشبكات النقل كافة لتسهيل حركة عبور البضائع وإحداث بعض “الدفوعات الإيجابية” لتحسين الحالة الاقتصادية.

ولا يخفى علينا أيضاً أن النظام السوري استغل موقف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المعروفة  بأنها غير مهتمة بالانخراط أكثر بالملف السوري، واعتمدت منذ وصوله للحكم على سياسة تخفيف كلفة التدخل مع ضمانه قدرتها على التحكم بالخيوط العامة، فسارع النظام للسيطرة على درعا مخافة أن يحدث أي تغيير بموقف بايدن، أيضا كان للأردن جهوداً واضحة في تحريك الجمود العام بديناميات اقتصادية من خلال زياراته لواشنطن وموسكو، والتي تبلورت في تنفيذ اتفاقية خط الغاز العربي التي تتطلب “أمنًا” في أماكن مرور الأنابيب وتشكِّل درعا هذا المدخل الأمنيًّ.

منذ 22 أيلول 2021، استطاعت قوات النظام السوري أن تزيل العديد من الحواجز العسكرية التي تشرف عليها الفرقة الرابعة، ولإيران نفوذ كبير فيها، وذلك من مناطق متفرقة شملت عدة حواجز مهمة (مثل: “البانوراما” و”السبيل” و”السرايا” و”الصناعية”، وحاجز “المستشفى الوطني”، وحاجز “مدخل مدينة درعا الغربي”)، وذلك بأوامر روسية من أجل التخفيف من الوجود الإيراني في المنطقة. 

تعيش محافظة درعا بين الحين والآخر حملات تصعيد واعتقالات من قبل قوات النظام السوري، وآخرها في 12 أيلول 2022.

لا بد أن نذكر أن المشهد السوري أمام تحول كبير سعى النظام السوري وكرس جهده له، من خلال إعادة سيطرته على محافظة درعا وإنهاء الخصوصية التي كانت تتمتع بها بموجب مصالحة 2018، مما يعني أن هناك تحركات عربية متنامية للتطبيع مع النظام.

 

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية