ورطة روسيا أم خيبة أوروبا؟

*صبا حكيم

بوتين لم يخفي أهدافه بإعادة إحياء الاتحاد السوفيتي، ويحلم بإمبراطورية روسيا القيصرية وإعادة ضم دول مستقلة في آسيا الصغرى وشرق أوروبا وصرح بأنه يريد تصحيح التاريخ، وبدأ بحروبه في جورجيا في عام 2008، ثم بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم عام 2014، وكانت عملياته وحروبه سهلة بدون أي متاعب له، مما أغراه بالاستمرار بمشروعه وبإعلان حربه على أوكرانيا وباعتراف إدارته أنهم يخططون منذ ثمانية سنوات للحرب عليها.

بدأ بتاريخ 21.2.2022  بالاعتراف بكيانين انفصاليين على الحدود بين روسيا وأوكرانيا فيهما أغلبية روسية، ثم بعد يومين في 24.2.2022  بدأ حربه على أوكرانيا واتهم الحكومة الأوكرانية والرئيس زيلنسكي بأنهم نازيين جدد وأنهم يمنعون تعليم اللغة الروسية ويحاولون الانضمام إلى الناتو وهذا خطر على الأمن القومي الروسي، وكان قد حشد 200 ألف جندي على حدود أوكرانيا في روسيا والقرم وفي بلاروسيا، واعتقدت موسكو أن الحرب ستكون سهلة وخاطفة بسبب التفوق العسكري الكبير لروسيا وتواضع الإمكانيات العسكرية لأوكرانيا، ولم تتوقع تعاطف ودعم كبيرين من الناتو والاتحاد الأوروبي ومن الولايات المتحدة لأوكرانيا.

لقد تم فرض عقوبات اقتصادية مؤلمة على بنوك ومؤسسات وأفراد وعلى بوتين ولافروف، وتم عزل بعض البنوك الروسية الكبرى من نظام سويفت العالمي للحوالات المالية، كما تم منع دخول الطائرات الروسية إلى أجواء الكثير من الدول الأوروبية وبريطانيا وكندا وأستراليا، ومازالت أمريكا وحلفاؤها يتوعدون بمزيد من العقوبات المؤلمة، وأوقفت ألمانيا العمل وترخيص خط نقل الغاز نورد ستريم 2 وامتدت العقوبات لتشمل قطاع الرياضة ومصالح رجال الأعمال الروس، لأنه من المعروف أن رجال الأعمال هم من يدعمون بوتين.

وعقد مجلس الأمن اجتماع لإصدار قرار وقف الحرب ولكنه فشل بسبب الفيتو الروسي، ثم تم عقد اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة للدعوة لوقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الروسي من أوكرانيا وإدانة للغزو الروسي. ونتيجة التصويت أظهرت النتيجة موافقة 141 دولة على القرار وامتناع 35 ورفض 5 دول هي روسيا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية وسوريا وارتيريا. هذه النتيجة للتصويت عكست مخاوف الدول من انهيار المجتمع والقانون الدوليين وخطورة الحرب على الأمن والسلم الدوليين.

لم يتوقع بوتين رد فعل الدول العنيف ضد حربه التي وحدت أوروبا وأعادت إحياء وتماسك حلف شمال الأطلسي، وأيقظت ألمانيا التي كانت ضد التسلح منذ الحرب العالمية الثانية رغم أنها من أكثر الدول المصنعة للسلاح الثقيل، وصرح مستشارها شولتز أن ألمانيا ستخصص 100 مليار يورو لتسليح ألمانيا.

كما شاركت دول حيادية لأول مرة مثل سويسرا وفنلندا بفرض بعض العقوبات على روسيا، ومازالت العقوبات تزداد كل يوم.

وطلبت أوكرانيا الانضمام للاتحاد الأوروبي، كما أن جورجيا وفنلندا والسويد قالوا بأنهم يفكرون بالانضمام للاتحاد الأوروبي.

روسيا دعمت جيشها بـ 20 ألف مقاتل من الشيشان وبشركة فاغنر الخاصة التي تضم مرتزقة كانت قد استخدمتها في تدخلها بالعمليات العسكرية في سوريا وليبيا ومالي، كما أن بيلاروسيا تحشد قواتها على حدود أوكرانيا وصرحت أنها مستعدة للتدخل لصالح روسيا إذا اقتضى الأمر.

دعت روسيا أوكرانيا لإجراء محادثات، وتمت الجولة الأولى على الحدود الأوكرانية البيلاروسية، حيث أصرت موسكو على نزع سلاح أوكرانيا والاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء لا يتجزأ من الاتحاد الروسي وباستقلال دونينسك ولوغانسك، وأن تبقى أوكرانيا دولة محايدة وغادرت الوفود للتشاور وستعود لاحقاً للجولة الثانية.

وقد أرسلت واشنطن وبريطانيا والعديد من الدول أسلحة وطائرات ومضادات دروع كصواريخ جافلين وتاو وصواريخ ستينغر مضادة للطائرات إلى أوكرانيا. في حين أعلن بوتين رفع الجاهزية القصوى للسلاح النووي ولكن الولايات المتحدة قللت من خطورة هذه الخطوة.

لقد وجدت روسيا مقاومة ودفاع قوي وتماسك للمدنيات/ين خلف حكومتهم، وثبات الرئيس زيلنسكي وبقائه مع جيش بلاده للدفاع عن بلده، بينما عانت القوات الروسية من صعوبات لوجستية وخاصة بالإمداد بالغذاء والوقود. ورغم مرور ثمانية أيام فإن النتائج هي سقوط مدينة خرسون وجزيرة الثعبان في البحر الأسود بيد الجيش الروسي وبعض القرى الصغيرة سقطت بيد الانفصاليين في إقليم دونباس وحصار عدة مناطق وتدمير الكثير من البنية التحتية. وما زالت المعارك الشديدة في خاركيف ثاني المدن الأوكرانية والتي تبعد 20 كم فقط عن الحدود الروسية وعلى ماريوبل واوديسا ويوجد رتل عسكري يمتد 60 كم دخل من الحدود البيلاروسية شمالاً متجهاً نحو العاصمة كييف، ويحاول حصارها لكنه يواجه دفاع قوي عن العاصمة.

بدأت المدنيات/ون بالخروج من أوكرانيا نحو الدول المجاورة وفتحت بولندا ورومانيا وهنغاريا وسلوفاكيا حدودها لاستقبال اللاجئات/ين والفارات/ين من الحرب ورحبت معظم الدول الأوروبية بهن/م، وتقدر المفوضية العامة للاجئين بأن عدد اللاجئات/ين أصبح مليون شخص حتى الآن.

وأثناء ذلك، أعلن رئيس أوكرانيا زيلنسكي قبول بلاده باستقبال المتطوعين للدفاع عن بلاده من كل أنحاء العالم وطلب ممن يريد التطوع الاتصال بالسفارات الأوكرانية.

من الواضح أن تغيراً جذرياً سيحدث في بنية النظام الدولي الحالي بعد أن قامت روسيا بغزو أوكرانيا متحديةً العالم بأكمله، وخاصة الدول الأوروبية والولايات المتحدة، فارضةً نفسها قطباً ثانياً عبر القوة.

إن الحرب بينت سعي مزيد من الدول للانضمام لحلف شمال الأطلسي وسوف يزداد الإنفاق العسكري الأوروبي وسيكون هناك ضغط لتحقيق استقلال أوروبا في مجال الطاقة وفك الارتباط بخطوط الأنابيب الروسية. وستكون روسيا أكثر عزلة عن الاقتصاد العالمي في مواجهة غرب أكثر اتحاداً، وإذا تحقق لبوتين النصر وتمكن من ضم أوكرانيا إلى روسيا فقد فتح الطريق أمام طموحاته لاحتلال بلدان أخرى، ولن تكون دول أوروبا بعيدة عن مرماه الذي ربما سيكون قريباً. 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية